يقول الحقّ جلّ جلاله : ومثل ذلك التصريف الذي صرفنا من الآيات، من قوله :﴿إِنَّ اللهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى﴾ [الأنعَام : ٩٥]، إلى قوله :﴿قَدْ جَآءَكُم بَصَآئِِرُ مِن رَّبِكُمْ﴾ [الأنعَام : ١٠٤] ـ ﴿نُصرِّف الآيات﴾ في المستقبل لتكون عاقبة قوم الشقاء بها بتكذيبهم إياها، ﴿وليقولوا﴾ لك :﴿دارسْتَ﴾ أهل الكتاب، وتعلمت ذلك منهم، وليس بوحي، أو ﴿درسَت﴾ هذه الأخبار وعفت، وأخبرت بها من إملاء غيرك عليك، كقولهم : أساطير الأولين، وليكون عاقبة قوم آخرين الاهتداء، وإليهم الإشارة بقوله :﴿ولنبينه لقوم يعلمون﴾ أي : وليتضح معناه عند قوم آخرين، فيهتدوا به إلى معرفتي وتوحيدي ومحل رضواني وكرامتي، فالخطاب متحد، والأثبر مختلف على حسب السابقة.
الإشارة : ظهور الآيات على يد أهل الخصوصية ـ كالعلوم اللدنية والمواهب الربانية ـ لا يوجب لهم التصديق لجميع الخلق، فلو أمكن ذلك لكان النبي ﷺ أولى به، بل لا بد من الاختلاف، فقوم قالوا : هذه العلوم... دارس فيها وتعلمها، وقوم قالوا : بل هي من عند الله لا كسب فها، قال تعالى :﴿وَلاَ يَزَالُون مُخْتَلِفِينَ﴾ [هُود : ١١٨].
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٩٣
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿اتبع ما أُوحى إليك من ربك﴾ بالدوام على التمسك به، والاهتداء بهديه، ودم على توحيده، ﴿لا إله إلا هو﴾ ؛ فلا تصغ إلى من يعبد معه غيره، ﴿وأعرض عن المشركين﴾، فلا تحتفل بأقوالهم، ولا تلتفت إلى رأيهم، وهذا محكم، أو : أعرض عن عقابهم وقتالهم، وهو منسوخ بآية السيف، ﴿ولو شاء الله ما أشركوا﴾ :
٢٩٤
لكن سبقت مشيئته بإشراكهم، ولو أراد إيمانهم لآمنوا، وهو حجة على المعتزلة، ﴿وما جعلناك عليهم حفيظًا﴾ : رقيبًا، ﴿وما أنت عليهم بوكيل﴾ تقوم بأمرهم، وتُلجئهم إلى الإيمان ؛ ﴿إَن أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ﴾ [فَاطِر : ٢٣].


الصفحة التالية
Icon