﴿و﴾ حَرم الله ـ تعالى ـ ﴿المحصنات من النساء﴾ وهُنَّ اللاتي في عصمة أزواجهن، فلا يحل نكاحهن ما دُمْنَ في عصمة الزوج، ﴿إلا ما ملكت أيمانكم﴾ من الغنيمة، فإذا سُبيت الكافرة، ولها زوج، جاز لمن ملكها أن يطأها بالملك بعد الاستبراء، قال في المختصر : وهدم السبيْ النكاحَ، إلا أن تُسبى وتُسلْم في عدتها فهو أحق بها، وقد بعث رسول الله ﷺ جيشًا إلى أَوْطَاس، فأصابوا سبيًا من العدو، ولهن أزواج من المشركين فتأثموا من غشيانهن، فنزلت الآية مُبيحة لذلك، ﴿كتاب الله عليكم﴾ أي : كتب الله ذلك عليكم كتاباً، وهو ما حرّم في الآية من النساء.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٨
الإشارة : اعلم أن الإنسان لا يصير كاملاً عارفًا حتى يولد ثلاث مرات بعد الأم الحسية، أولها : خروجه من بطن حب الدنيا الدنية، ثم من الغفلة والشهوات الجسمانية، ثم من ضيق الأكوان الظلمانية، إلى فضاء المشاهدة والمعاينة، وقال بعض الأولياء :( ليس منا من لم يولد مرتين) : فاعتبر الأولى والثالثة، فإذا خرج الإنسان من هذه البطون حرَّم الله عليه نكاحها والرجوع إليها.
وكذا يحرم عليه الرجوع إلى ما تولد منه من الزلات، والأحوال الظلمانية، وما كان ألفه وتواخى معه من البطالات والمألوفات، وما وجد عليه أسلافه من التعصبات والحميات والرئاسات، ولا فرق بين ما واجهه من ذلك من قبل الآباء والأمهات، وكذلك ما ارتضع من ثدي الشهوات من لِبان الغفلة، وتراكم الأَكِنَّات، فليبادر إلى تحريمها، وفطام نفسه عنها، قبل تحكمها، كما قال البوصيري رضي الله عنه :
والنَّفْسُ كالطِّفلِ إنْ تُهْمِلْهُ شَبَّ
عَلَى حُبِّ الرَّضاعِ وإنْ تَفْطِمْهُ يَنْفَطِم
٢٩