الإشارة : في الآية تسكين لقلوب الأولياء الداعين إلى الله، حين يرون الخلق قد حادوا عن باب الله، وتعلقت هممهم بالدنيا الدنية، وتشتتت قلوبهم، وضاعت عليهم أعمارهم، فيتأسفون عليها، فإذا تفكروا في هذه الآية وأمثالها سكنوا وردوا أمر عباد الله إلى مشيئته وإرادته، فلو شاء الله لهدى الناس جميعًا، ولا يزالون مختلفين :﴿ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله﴾. وبالله التوفيق.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٩٦
٢٩٧
قلت :﴿شياطين﴾ : بدل من ﴿عدو﴾ ؛ إذ هو بمعنى الجمع، أو مفعول أول لجعلنا، و ﴿عدوًا﴾ : مفعول ثان، والضمير في ﴿فعلوه﴾ : للوحي، أو للعداوة، و ﴿غرورًا﴾ : مفعول له، أو مصدر في موضع الحال ﴿لتصغى﴾ : عطف على غرورًا، أو متعلق بمحذوف، أي : فعلنا ذلك لتصغى... الخ.
يقول الحقّ جلّ جلاله : في تسلية نبيه ـ عليه الصلاة والسلام ـ : وكما جعلنا لك أعداء من الكفار، ﴿جعلنا لكل نبيٍّ عدُوًّا﴾ من شياطين ﴿الإنس والجن﴾ أي : من مردة الفريقين، وشياطين الإنس أقبح ؛ لأنه يأتي في صورة ناصح، لا يدفع بتعوذ ولا غيره. ﴿يُوحِي﴾ أي : يُوسوس، ﴿بعضهم إلى بعض﴾، فيوسوس شياطين الجن إلى شياطين الإنس، ثم يوسوس شياطين الإنس إلى من يريد الحق اختباره وابتلاءه، يُلقى إليه ذلك الشيطان ﴿زخرف القول﴾ أي : أباطيله، أي : قولاً مزخرفًا مُزَوَّقًا ﴿غرورًا﴾ أي : لأجل الغرور، فإن أراد الله خذلان ذلك العبد غره ذلك الشيطان بزخرف ذلك القول فيتبعه، وإن أراد توفيقه وزيادته أيده وعصمه، وكل شيء يقدره وقضائه، ﴿ولو شاء ربك﴾ هدايتهم ما فعلوا ذلك الوحي، أو ما ذكر من المعاداة للأنبياء، ﴿فذرهم وما يفترون﴾ على الله من الكفر وغيره، فلا تهتم بشأنهم.