وإنما فعلنا ذلك الإيحاء ﴿لتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة﴾ فيغتروا به، ﴿وليَرضَوهُ﴾ لأنفسهم، ﴿وليقترفوا ما هم مقترفون﴾ أي : وليكتسبوا من الإثم والكفر ما هم مكتسبون بسبب ذلك الوحي من الجن أو الأنس، وفي الآية دليل لأهل السنة في أن الله خالق الكفر والإيمان، والطاعة والمعصية، فالمعصية خلقها وقدرها، ولم يَرضهَا، ﴿لاَ يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ﴾ [الأنبيَاء : ٢٣].
الإشارة : كما جعل الله لكل نبي عدوًا من شياطين الإنس والجن ؛ جعل للأولياء كذلك ؛ تحويشًا لهم إليه، وتطهيرًا لهم من البقايا ليصلحوا لحضرته، قال في الحِكَم :" إنما أجرى الأذى عليهم كي لا تكون ساكنًا إليهم، أراد أن يُزعجك عن كل شيء حتى لا يشغلك عنه شيء ". وقال في لطائف المنن : اعلم أن أولياء الله حكمهم في بدايتهم أن يُسلط الخلق عليهم ليطهروا من البقايا، وتكمل فيهم المزايا، كي لا يساكنوا هذا الخلق باعتماد، أو يميلوا إليهم باستناد، ومن آذاك فقد أعتقك من رزق إحسانه، ومن أحسن إليك فقد استرقك بوجود امتنانه، ولذلك قال ﷺ :" من أسدى إليكم نعمًا فكافئوه، فإن لم تقدروا فادعوا له " كل ذلك ليتخلص القلب من رق إحسان الخلق، ويتعلق بالملك الحق. هـ.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٩٧
وقال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه : آذاني إنسانٌ فضقت به ذرعًا، فرأيتُ يُقال لي : مِن علامة الصديقية كثرةُ أعدائها ثم لا يبالي بهم. وقال بعضهم : الصيحة من
٢٩٨
العدو، سَوطٌ من الله يزجرُ بها القلوب إذا ساكنت غيره، وإلا رقد القلب في ظل العز والجاه، وهو حجاب عن الله تعالى عظيم. هـ.