يقول الحقّ جلّ جلاله : قل يا محمد :﴿أفغير الله﴾ أطلبُ ﴿حَكَمًا﴾ يحكم بيني وبينكم، ويفصل المحق مِنَّا من المبطل، ﴿وهو الذي أنزل إليكم الكتاب﴾ أي : القرآن المعجز، ﴿مُفصَّلاً﴾ ؛ مُبينًا قد بيّن فيه الحق من الباطل، بحيث انتفى به الالتباس، فهو الحاكم بيني وبينكم، فلا أطلب حاكمًا غيره، وفيه تنبيه على أن القرآن بإعجازه مُغنٍ عن سائر الآيات. ﴿والذين آتيناهم الكتاب﴾ كأحبار اليهود، ﴿يعلمون أنه منزل من ربك بالحق﴾ ؛ لتصديقه ما عندهم، وموافقته له في كثير من الأحبار، ﴿فلا تكونن من الممترين﴾ في أنهم يعلمون ذلك، أو في أنه منزل من ربك، والمراد غيره ـ عليه الصلاة
٢٩٩
والسلام ـ ممن يطرقه ارتياب، والمعنى : أن الأدلة تعاضدت على صحته، فلا ينبغي لأحد أن يمتري فيه.
﴿وتمت كلمة ربك﴾ ؛ آيات القرآن، بلغت الغاية في التمام والكمال، ﴿صِدقًا وعدلاً﴾ أي : من جهة الصدق والعدل، صدقًا في الأخبار والمواعيد، وعدلاً في الأقضية والأحكام، فلا أصدَق منها فيما أخبرت، ولا أعدل منها فيما حكمت، ﴿لا مبدل لكلماته﴾ أي : لا أحد يقدر أن يبدل منها شيئًا بما هو أصدق وأعدل، ولا أن يحرف شيئًا منها، كما فُعل بالتوراة، فهو ضمان من الحق لحفظ القرآن، كما قال :﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحِجر : ٩] أو : لا نبي ولا كتاب بعدها ينسخها ويبدل أحكامها، ﴿وهو السميع﴾ لكل ما يقال، ﴿العليم﴾ بكل ما يضمر، فمن ألحد أو بدل فالله عليم به.


الصفحة التالية
Icon