وفي الخبر المروي عن رسول الله ﷺ :" أخوَفُ ما أخافُ على أمَّتِي ضَعفُ اليَقِين " وإنما يكون برؤية أهل الغفلة ومخالطة أرباب البطالة والقسوة، وتربية اليقين وصحته إنما تُكتسب بصحبة أهل اليقين واستماع كلامهم، والتودد إليهم وخدمتهم. وفي بعض الأخبار :( تعلموا اليقينَ بمجالسةِ أهل اليقين)، وفي رواية :" فَإنَّي أتعلَّمُه "، والحاصل : أن الخير كله في صحبة العارفين الراسخين في عين اليقين. أو حق اليقين، وما عداهم يجب اعتزالهم، كيفما كانوا، إلا بقصد الوعظ والتذكير، ثم يغيب عنهم، وإلى هذا أشار ابن الفارض رضي الله عنه بقوله :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٠٠
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿فكلوا مما ذُكر اسم الله عليه﴾ عند ذبحه، ولا تتورعوا منه، ﴿إن كنتم بآياته مؤمنين﴾، فإن الإيمان يقتضي استباحة ما أحل الله تعالى، واجتناب ما حرمه، ﴿وما لكم ألاَّ تأكلوا مما ذُكر اسم الله عليه﴾ أي : ما يمنعكم منه، وأيّ غرض لكم في التحرُّج عن أكله ؟. ﴿وقد فصَّل لكم﴾ في الكتاب، أو فصَّل الله لكم ﴿ما حرم عليكم﴾ مما لم يحرم بقوله :﴿حُرِمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ...﴾ [المَائدة : ٣] الآية ﴿إلا ما اضطررتم إليه﴾ مما حرم عليكم ؛ فإنه حلال حال الضرورة.
﴿وإنَّ كثيرًا ليُضلون﴾ بتحليل الحرام وتحريم الحلال ﴿بأهوائهم﴾ أي : بمجرد أهوائهم ﴿بغير علم﴾ ولا دليل، بل بتشهي أنفسهم، ﴿إن ربك هو أعلم بالمعتدين﴾ المجاوزين الحق إلى الباطل، والحلال إلى الحرام، ﴿وذَرُوا﴾ أي : اتركوا ﴿ظاهرَ الإثم وباطنه﴾ أي : سره وعلانيته، أو ما يتعلق بالجوارح والقلب، ﴿إن الذين يكسبون الإثم﴾ سرًا أو علانية، ﴿سيُجزون بما كانوا يقترفون﴾ ؛ يكتسبون.


الصفحة التالية
Icon