قال البيضاوي : مَثل به من هداه الله تعالى وأنقذه من الضلال، وجعل له نورَ الحجج والآيات يتأمل بها في الأشياء، فيميز بين الحق والباطل، والمحق والمبطل، ثم قال : والآية نزلت في حمزة وأبي جهل، وقيل : في عمّار وعُمر وأبي جهل. هـ. ولفظها أعم، وفي الآية من أنواع البيان : الطباق ؛ في قوله :﴿ميتًا فأحييناه﴾.
٣٠٣
الإشارة : الروح تكون أولاً على الفطرة التي فطرها الله عليها، من العلم والإقرار بالربوبية، فإذا بلغت قد تطرأ عليها موتات، ثم تحيا من كل واحدة على حسب المشيئة، فقد تموت بالكفر، ثم تحيا بالإيمان، وقد تموت بالذنوب والجرائم، ثم تحيا بالتوبة، وقد تموت بالحظوظ والشهوات، ثم تحيا بالزهد والورع والرياضة، وقد تموت بالغفلة والبطالة ثم تحيا باليقظة والإنابة، وقد تموت برؤية الحس وسجن الأكوان والهيكل، ثم تحيا برؤية المعاني وخروج الفكرة إلى فضاء الشهود والعيان، ثم لا موت بعد هذا إلى أبد الأبد. والله تعالى أعلم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٠٣
قلت :﴿جعلنا﴾ بمعنى صيَّرنا، يتعدى إلى مفعولين، و ﴿مجرميها﴾ : مفعول أول، مؤخر، و ﴿أكابر﴾ : مفعول ثان، وفيه ضعف من جهة الصناعة ؛ لأن أكابر جمع أكبر، وهو من أفعل التفضيل، فلا يستعمل إلا بالإضافة، أو مقرونًا بمن. قاله ابن جزي.
قلت : ويُجاب بأنه لم يقصد به المفاضلة، وإنما المراد مطلق الوصف، أي : جعلناهم كبراء، فلا يلزم إفراده ولا اقترانه بمن. فتأمله.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿وكذلك﴾ أي : كما جعلنا في مكة أكابر مجرميها، ليمكروا فيها بأهلها، ﴿جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها﴾ أي : مجرميها أكابر، ﴿ليمكروا فيها﴾ بمن فيها، فيمكروا بالناس فيتبعوهم على ذلك المكر، لأنهم أكابر تصعب مخالفتهم، فيحملونهم على الكفر والعصيان، ويخذلونهم عن الإسلام والإيمان، ﴿وما يمكرون إلا بأنفسهم﴾ ؛ لأن وبال مكرهم راحج إليهم، ﴿وما يشعرون﴾ بذلك.