الإشارة : ليست الآية خاصة بالكفار، بل كان عَوَّق الناسَ عن طريق الخصوص، واستكثر من العموم ؛ بأن أبقاهم في حزبه، يقال له : يا معشر أهل الرياسة قد استكثرتم من العموم، فيقول أهل اليمين من العموم : ربنا استمتع بعضنا ببعض فتبعناهم في الوقوف مع الحظوظ والعوائد، وتمتعوا بتكثير سوادهم بنا وتنعيش رياستهم، مع ما يلحقهم من
٣٠٨
الارتفاق من قِبلنا، فيقول الحق تعالى : نار القطيعة والحجاب مثواكم خالدين فيها، إلا وقت الرؤية مع عوام الخلق، وهذه عادته تعالى : يولي بعض الغافلين بعضًا بسبب غفلتهم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٠٨
وفي قوله تعالى :﴿إلا ما شاء الله﴾ ـ إرشاد إلى استعمال الأدب، وردُ الأمور كلها إلى رب الأرباب، وعدم التحكيم على غيب مشيئته وعلمه، وقوفًا مع ظاهر الوعد أو الوعيد، فالأكابر لا يقفون مع وعد ولا وعيد، كقول عيسى عليه السلام :﴿وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [المَائدة : ١١٨]، وكقوله إبراهيم عليه السلام :﴿وَلآ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلآَّ أَن يَشَآءَ رَبِي شَيْئًا﴾ [الأنعَام : ٨٠] الآية، وكقوله :﴿وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [إبراهيم : ٣٦]، وكقول شعيب عليه السلام :﴿وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّعُودَ فِيهَآ إِلآَّ أَن يَشَآءَ اللهُ رَبُّنَا﴾ [الأعرَاف : ٨٩]، وكاستغفار نبينا ﷺ للمنافقين قبل نزول النهي، وبعد نزوله، ﴿إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً...﴾ [التّوبَة : ٨٠] الآية. وكقوله، يوم بدر :" إن تهلك هذه العصابة لن تعبد "، مع تقدم الوعد بالنصر، وكخوف موسى بعد قوله :﴿لآ تَخَافَآ إِنَّني مَعَكُمَآ...﴾ [طه : ٤٦] الآية.