فحِكمة وجود الأولياء في كل قرن ؛ لتقوم الحجة على أهل الغفلة، فإذا وقع البعد لقوم لم يكن الحقّ ظالمًا لهم، فالدرجات على حسب المقامات، والمقامات على حسب الأعمال، وأعمال القلوب هي التي تقرب إلى حضرة علام الغيوب، بها يقع القرب، وبالخلو عنها يقع البعد. وعليها دلت الأولياء بعد الأنبياء، لأن الأنبياء جاؤوا بالشريعة الظاهرة والحقيقة الباطنة، فمن رأوه أهلاً لسر الحقيقة دلًّوه عليها، فكان من المقربين، ومن رأوه ضعيفًا عنها دلوه على الشريعة، فكان من أصحاب اليمين. وبالله التوفيق.
٣١١
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣١٠
قلت :﴿من تكون﴾ : إما مفعول ﴿تعلمون﴾، أو مبتدأ، وهي إما موصولة أو استفهامية، والمكانة : التمكن أو الجهة، يقال : مكان ومكانة كمقام ومقامة.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿قل﴾ يا محمد :﴿يا قوم اعملوا على مكانتكم﴾ أي : تمكنكم من هواكم وشهواتكم التي أنتم عليها، أو على ناحيتكم وجهتكم التي أنتم عليها من الكفر والهوى، والمعنى : اثبتوا على ما أنتم عليه من الكفر والعداوة، ﴿إني عامل﴾ على ما أنا عليه من المصابرة والثبات على الدين الحق. والتهديد بصيغة الأمر مبالغة في الوعيد، كأن الذي يهدده يريد تعذيبه لا محالة، فيحمله بالأمر على ما يفضي به إليه، وتسجيلٌ بأن المهدد لا يأتي منه إلا الشر، كالمأمور به الذي لا يقدر أن ينقضي عنه. قاله البيضاوي.


الصفحة التالية
Icon