الإشارة : يُؤخذ من تقديم الرحمة الواسعة على البأس الشديد أن جانب الرجاء أقوى من جانب الخوف ؛ لأن حسن الظن بالله مطلوب من العبد على كل حال، لأن الرجال وحسن الظن يستوجبان محبة العبد وإيحاشه إلى سيده بخلاف الخوف، وهذا مذهب الصوفية : أن تغليب الرجاء هو الأفضل في كل وقت، ومذهب الفقهاء أن حال الصحة ينبغي تغليب الخوف لينزجر عن العصيان، وحال المرض يغلب الرجاء ؛ إذ لا ينفع حينئذٍ، فالصوفية يرون أن العبد معزول عن الفعل، فليس له قدرة على فعل ولا ترك. وإنما ينظر ما تفعل به القدرة، فهو كحال المستشرف على الموت. والفقهاء يرون أن العبد له كسب واختيار. والله تعالى أعلم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٢٠
قلت :﴿هَلُم﴾ : اسم فعل، وهو عند البصريين بسيط، وعند الكوفيين مركب. انظر البيضاوي.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿سيقول الذين آشركوا﴾ في الاحتجاج لأنفسهم :﴿لو شاء الله﴾ عدم شركنا ﴿ما أشركنا ولا﴾ أشرك ﴿آباؤنا ولا حرمنا من شيء﴾ من البحائر وغيرها، فلو لم نكن على حق مرضى عند الله ما أمهلنا ولا تركنا عليه ؛ فإمهاله لنا وتركه لنا على ما نحن فيه دليل على أنه أراده منا.
والجواب عن شُبهتهم : أنه خلاف ما أنزل الله على جميع رسله، والحق تعالى لم يتركهم على ذلك، بل بعث لهم الرسل يكلفهم بالخروج عنه، والإرادة خلاف التكليف، وأيضًا : قولهم هذا لم يصدر منهم على وجه الاعتذار ؛ وإنما صدر منهم على وجه المخاصمة والاحتجاج. ولا يصح الاحتجاج بالقدر. والحاصل أنهم تمسكوا بالحقيقة ورفضوا الشريعة، وهو كفر وزندقة، إذ لا بد من الجمع بين الحقيقة في الباطن، والتمسك بما جاءت به الرسل من الشريعة في الظاهر، وإلاَّ فهو على باطل.