جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٢١
قلت :﴿تعالوا﴾ : أمر من التعالي، وأصله : أن يقوله من كان في علو لمن كان في سفل، فاتسع فيه بالتعميم في كل أمر بالقدوم، و ﴿ألاَّ تشركوا﴾ : فيه تأويلات ؛ أحدها : أن كون مفسرة لا موضع لها، و ﴿لا﴾ : ناهية جزمت الفعل، أو تكون مصدرية في موضع رفع، أي : الأمر ألاَّ تشركوا، و ﴿لا﴾ : نافية حينئذٍ، أو بدل من ﴿ما﴾ و ﴿لا﴾ : زائدة، أو على حذف الإغراء، أي : عليكم إلا تشركوا.
قال ابن جزي : والأحسن أن يكون ضَمَّنَ ﴿حرَّم﴾ معنى وَصَّى، وتكون ﴿أن﴾ مصدرية، و ﴿لا﴾ نافية، ولا تفسد المعنى ؛ لأن الوصية في المعنى تكون بتحريم وتحليل وبوجوب وندب، ويدل على هذا قوله بعد ذلك :﴿ذلكم وصاكم به﴾ ولا ينكر أن يريد بالتحريم ـ الوصية ؛ لأن العرب قد تذكر اللفظ الخاص، وتريد به العموم، كما تذكر اللفظ العام وتريد به الخصوص، فتقدير الكلام على هذا : قل تعالوا أتل ما وصاكم به ربكم، ثم أبدل منه، على وجه التفسير والبيان، فقال : ألاَّ تشركوا، ووصاكم بالإحسان بالوالدين، وهكذا.. فجمعت الوصية ترك الإشراك وفعل الإحسان بالوالدين، وما بعد ذلك. انظر بقية كلامه.
وإنما قال الحق سبحانه :﴿من إملاق﴾، وقدّم الكاف في قوله ﴿نرزقكم﴾، وفي الإسراء قال :﴿خَشْيَةَ إِمْلاَقٍ﴾ [الإِسرَاء : ٣١]، وأخر الكاف ؛ لأن ما هنا نزل في فقراء العرب، فكان الإملاق نازلاً بهم وحاصلاً لديهم، فلذلك قال :﴿من إملاق﴾، وقدم الخطاب لأنه أهم. وفي الإسراء نزلت في أغنيائهم، فكانوا يقتلون خوفًا من لحوق الفقر، لذلك قال :﴿خشية إملاق﴾، وقدم الغيبة فقال :﴿نحن نرزقهم﴾ ؛ حين نخلقهم وإياكم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٢٣