يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿من جاء بالحسنة﴾ قولية أو فعلية أو قلبية، ﴿فله عشر أمثالها﴾ من الحسنات، فضلاً من الله، وهذا أقل ما وعد من الأضعاف، وقد جاء الوعد بسبعين وسبعمائة، وبغير حساب، ولذلك قيل : المراد بالعشر : الكثرة دون العدد، ﴿ومن جاء بالسيئة فلا يُجزى إلا مثلها﴾ ؛ قضية للعدل، ﴿وهم لا يظلمون﴾ بنفس الثواب وزيادة العقاب.
الإشارة : إنما تضاعف أعمال الجوارح وما كان من قبل النيات، وأما أعمال القلوب فأجرها بغير حساب، قال تعالى :﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزُّمَر : ١٠]، وقال ﷺ :" تفكر ساعة أفضل من عبادة سبعين سنة " وقا الشاعر :
كُلُّ وَقْتٍ مِنْ حَبِيبي
قَدْرُه كَأَلْفِ حِجَّهْ
وقد تقدم هذا في سورة البقرة.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٢٩
٣٣٠
قلت :﴿دينًا﴾ : بدل من محل، " صراط " ؛ لأن الأصل : هداني صراطًا مستقيمًا دينًا قيمًا، و ﴿قَيَّمًا﴾ : فيعل من القيام، فهو أبلغ من مستقيم، ومن قرأ بكسر القاف : فهو مصدر وصف به ؛ للمبالغة، و ﴿ملة إبراهيم﴾ : عطف بيان الدين، ﴿وحنيفًا﴾ : حال من إبراهيم.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿قل﴾ لهم :﴿إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم﴾ بالوحي والإرشاد إلى ما نصب من الحجج والآيات، ﴿دينًا قيمًا﴾ ؛ مستقيمًا يوصل من تمسك به إلى جوار الكريم، في حضرة النعيم، وهو ﴿ملة إبراهيم﴾ أي : دينه، حال كونه ﴿حنيفًا﴾ : مائلاً عما سوى الله، ﴿وما كان من المشركين﴾، وهو تعريض لقريش، الذين يزعمون أنهم على دينه، وقد أشركوا بالله عبادة الأوثان.