سورة الأعراف
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٣٢
إما أن تكون مختصرة من المصطفى، على عادة العشاق ؛ يرمزون إلى ذكر بعض حروف المحبوب، اتقاء الرقباء، أي : يا أيها المصطفى المختار لرسالتنا ؛ هذا كتاب أنزل إليك، وإما أن تشير إلى العوالم الثلاثة : الجبروت والملكوت والملك. وزاد هنا الصاد، إشارة إلى صدقه فيما يُخبر به من علم الغيوب، ولذلك ذكر هنا جملة من القصص والأخبار.
وقال الورتجبي : كان الله ـ تبارك وتعالى ـ إذا أراد أن يتكلم مع نبيه محمد ﷺ بقصص الأنبياء، وما جرى عليهم في الدهور والأعصار، وشأنه معهم في الأسرار والحقائق والشرائع، وأراد أن يخصه ﷺ بشريعته، وما يكون من طريقته الخاصة إلى حضرته، ويخبره بما كان وما يكون، أشار إلى هذه الأشياء بحروف التهجي، واعلمه سر ذلك بخفي الإشارة ولطيف الخطاب، وعلم تعالى أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ يعرف بتلك الإشارة مراده من علم سابق، ونبأٍ صادق، وعلم تعالى أن عموم أمته لا تعرف تلك الإشارة، فعبَّر عنها بسورة طويلة من القرآن ؛ ليعرفوا مراده سبحانه من خطابه، وخواص أمته ربما تطلع على سر بعضها، كالصحابة والتابعين والمتقدمين من العلماء والأولياء، كأنَّ حروف المقطعات رموز ومعاني سور القرآن، لا يعرف تلك الرموز إلا الربانيون والأحبار من الصديقين. هـ.
٣٣٤
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٣٤
قلت :﴿كتاب﴾ : خبر، أي : هذا كتاب، و ﴿أُنزل﴾ : صفته، والحرج : الضيق، و ﴿لتنذر﴾ : متعلق بأُنزل، أو بلا يكن، لأنه إذا أيقن أنه من عند الله جسر على الإنذار، وكذا إذا لم يخفهم، و ﴿ذكرى﴾ : يحتمل النصب بإضمار فعل، أي : لتُنذر ولتذكر ذكرى، والجر عطف على ﴿لتنذر﴾، أي : للإنذار والتذكير، والرفع عطف على ﴿كتاب﴾.
يقول الحقّ جلّ جلاله : هذا ﴿كتابٌ أُنزل إليك﴾ من ربك، ﴿فلا يكن في صدرك حرجٌ منه﴾ أي : ضيق وثقل من أجل تبليغه لمن يُكذب به، مخافة أن تكذّب فيه، أو مخافة أن تقصر على القيام بتبليغه، أو بحقوقه، وتوجيه النهي إلى الحرج للمبالغة، كقولك : لا أرينك ها هنا، كأنه قال : فلا يحرج صدرك منه، وإنما أنزلناه إليك لتُنذر به من بلغه، ﴿وذكرى للمؤمنين﴾ أي : وتذكيرًا وموعظة للمؤمنين ؛ لأنهم هم المنتفعون بمواعظة.


الصفحة التالية
Icon