الإشارة : تذكير أهل الإنكار ووعظهم يحتاج إلى سياسة كبيرة وحلم كبير وصبر عظيم، لا يطيقه إلا الأكابر من أهل العلم بالله ؛ كالأنبياء والصديقين، لسعة معرفتهم، واتساع صدورهم لحمل الجفاء وتحمل الأذى، ونهيه تعالى لنبيه ـ عليه الصلاة والسلام ـ عن ضيق صدره : تشريع لورثته من بعده ؛ الداعون إلى الله ـ عز وجل ـ وإلاَّ فهو ﷺ بحر واسع، لا تكدره الدِّلاءُ، كما قال البوصيري.
فَهو البَحرُ والأَنَامُ إِضاء
والله تعالى أعلم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٣٤
قلت :﴿قليلاً﴾ : صفة لمصدرٍ، أو زمانٍ محذوف، أي : تتذكرون تذكرًا قليلاً، أو زمانًا قليلاً، والعامل فيه : تذكرون، و ﴿ما﴾ : زائدة لتأكيد القلة.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿اتَّبِعُوا﴾ أيها الناس ﴿ما أُنزل إليكم من ربكم﴾ من أحكام القرآن والسنة ؛ إذ كله وحي يوحى، ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىَ﴾ [النّجْم : ٣]، ﴿ولا تتبعوا من دونه﴾ أي : الله، ﴿أولياءَ﴾ من الجن والإنس يضلونكم عن دينه، أو : ولا تتبعوا من
٣٣٥
دون ما أنزل إليكم أولياء، تتبعونهم فيما يأمرونكم به وينهونكم، وتتركون ما أنزل إليكم من ربكم، ﴿قليلاً ما تذكَّرون﴾ : تتعظون حيث تتركون دين الله وتتبعون غيره، بعد كما إنذاره ووضوح تذكاره، وذلك لانطماس البصيرة وعمي القلوب، والعياذ بالله.
الإشارة : اتباع الحبيب في أمره ونهيه يدل على صحة دعوى المحبة، ومخالفته يدل على بطلانها.
تَعصِي الإله وأنتَ تُظهِرُ حُبَّهُ
هذَا محَالٌ في القِيَاسِ بَدِيعُ
لَو كانَ حُبُّكَ صَادِقًا لأطَعتَهُ
إنَّ المُحِبَّ لِمَن يُحِبُّ مُطِيعُ
وجمع المحبة في محبوب واحد يدل على كمالها، وتفرق المحبة يدل على ضعفها، ولذلك قال الشاعر :
كَانَت لَقلبِي أهواءٌ مُفرَّقةٌ
فَاستَجمَعَتْ مُذ رَأتكَ العَيْنُ أهوائي


الصفحة التالية
Icon