يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ولقد مكناكم في الأرض﴾ ؛ تتصرفون فيها بالبناء والسكن، والغرس والحرس والزرع، وغير ذلك من أنواع التصرفات، ﴿وجعلنا لكم فيها معايش﴾ : أسبابًا تعيشون بها ؛ كالتجارة وسائر الحرف، ﴿قليلاً ما تشكرون﴾ على هذه النعم، فتقابلون المنعم بالكفر والعصيان، فأنتم جديرون بسلبها عنكم، وإبدالها بالنقم، لولا فضله ورحمته.
٣٣٨
الإشارة : نعمة التمكين في الأرض متحققة في أهل التجريد، والمنقطعين إلى الله تعالى، فهم يذهبون في الأرض حيث شاؤوا، ومائدتهم ممدودة يأكلون منها حيث شاؤوا، فهم متمكّنون من أمر دينهم ؛ لقلة عوائدهم، ومن أمر دنياهم ؛ لأنها قائمة بالله، تجري عليهم أرزاقهم من حيث لا يحتسبون، تخدمهم ولا يخدمونها ؛ " يا دنياي اخدمي من خدمني، وأتعبي من خدمك ". فمن قصّر منهم في الشكر توجه إليه العتاب بقوله :﴿ولقد مكناكم في الأرض﴾ إلى قوله :﴿قليلاً ما تشكرون﴾، ومن تحقق شكره قيل له :﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ﴾ [القصص : ٥، ٦]. والله تعالى أعلم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٣٨
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ولقد خلقناكم﴾ أي : خلقنا أباكم آدم طينًا غير مصور، ﴿ثم صوّرناكم﴾ أي : صوّرنا خلقة أبيكم آدم. نزَّل خلقه وتصويره منزلة خلق الكل وتصويره ؛ لأنه المادة الأصلية، أي : ابتدأنا خلقكم ثم تصويركم بأن خلقنا أباكم آدم، ثم صورناه، ﴿ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم﴾ تعظيمًا له، حيث وجد فيه ما لم يوجد فيهم، واختبارًا له ليظهر من يخضع ممن لم يخضع، ﴿فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين﴾ لآدم.


الصفحة التالية
Icon