﴿قال﴾ له الحق تبارك وتعالى :﴿ما منعك ألا تسجد﴾ أي : تسجد، فلا : زائدة، مؤكدة معنى الفعل الذي دخلت عليه، ومنبهة على أن الموبَّخ عليه ترك السجود، وقيل : الممنوع من الشيء كالمضطر إلى خلافه، فكأنه قال : ما اضطرك إلى ترك السجود ﴿إذ أمرتك﴾.
وفيه دليل على أن مطلق الأمر للوجوب والفور، فأجاب بقوله :﴿قال أنا خيرٌ منه﴾، أي : المانع لي من السجود هو كوني أنا خير منه، ولا يحسُنُ للفاضل أن يسجد للمفضول، فكيف يحسُن أن يؤمر به، فإبليس هو الذي سنَّ التكبر، وقال
٣٣٩
بالتحسين والتقبيح العقليين أولاً، وبهذا الاعتراض كفر إبليس ؛ إذ ليس كفره كفر جحود.
ثم بيَّن وجه الأفضلية، فقال :﴿خلقتني من نار وخلقته من طين﴾، فاعتقد أن النار خيرٌ من الطين، وقد غلط في ذلك، فإن الأفضلية إنما تظهر باعتبار النتائج والثمرات، لا باعتبار العنصر والمادة فقط، ولا شك أن الطين ينشأ منه ما لا يحصى من الخيرات ؛ كالثمار والحبوب وأنواع الفواكه.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٣٩
قال البيضاوي : رأى الفضل كله باعتبار العنصر، وغفل عما يكون باعتبار الفاعل، كما أشار إليه بقوله تعالى :﴿مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ﴾ [صَ : ٧٥] أي : بغير واسطة، وباعتبار الصورة، كما نبه عليه بقوله تعالى :﴿ونفخت فيه من روحي﴾ وباعتبار الغاية، وهو ملاكه، ولذلك أمر الملائكة بالسجود له ؛ لما تبين لهم أنه أعلم منهم، وأنه له خواصًا ليست لغيره. هـ.