ولما تبين عناده قال له تعالى :﴿فاهبط منها﴾ أي : من السماء أو من الجنة، ﴿فما يكونُ لك﴾ أي : فما يصح لك ﴿أن تتكبَّر فيها﴾ وتعصى ؛ فإنها موطن الخاشع المطيع، وفيه دليل على أن الكبر لا يليق بأهل الجنة، فإنه تعالى إنما أنزله وأهبطه ؛ لتكبره لا لمجرد عصيانه، ﴿فاخرج إنك من الصاغرين﴾ أي : ممن أهانه الله لتكبره. قال ﷺ :" مَن تَوَاضَعَ للهِ رَفَعَهُ الله، ومَن تَكَبَّر وَضَعَه الله ". ولما تحقق إبليس أنه مطرود، سأل الإمهال فقال :﴿أنظرني﴾ أي : أخزني، ﴿إلى يوم يُبعثون﴾ فلا تمتني، ولا تعجل عقوبتي، ﴿قال إنك من المنظرين﴾ ؛ يقتضي أنه أجابه إلى ما سأل، لكنه محمول على ما في الآية الأخرى :﴿إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾ [الحِجر : ٣٨] ؛ وهو نفخ الصور النخة الأولى، ﴿قال فبِمَا أغويتني﴾ أي : بعد أن أمهلتني لأجتهدن في إغوائهم بأي طريق يمكنني، بسبب إغوائك إياي، والله ﴿لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم﴾، وهو الطريق الذي يوصلهم إليك، فأقعد فيه، وأردهم عنه، ﴿ثم لآتينّهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم﴾ ؛ فآتيهم من الجهات الأربع، وذلك عبارة عن تسلطه على بني آدم كيفما أمكنه.
قال ابن عباس :﴿من بين أيديهم﴾ : الدنيا يُزيّنها لهم، ﴿ومن خلفهم﴾ : الآخرة يُنسيها لهم، ﴿وعن أيمانهم﴾ : الحسنات يُثبطهم عنها، ﴿وعن شمائلهم﴾ : السيئات يُزينها في أعينهم. هـ. ولم يجعل له سبيلاً من فوقهم، ولا من تحت أرجلهم ؛ لأن
٣٤٠
الرحمة تنزل من أعلى، فلم يحل بينهم وبينها، والإتيان من تحت موحش، وأيضًا : السفليات محل للتواضع والخشوع، فتكثر فيه الأنوار فيحترق بها. وقال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه :( لإنَّ فوق : التوحيد، وتحت : الإسلام، ولا يمكن أن يأتي من توحيد ولا إسلام).