تنبيه : ذكر الفخر الرازي، في تفسيره، عن الشهرستاني أن إبليس جرت بينه وبين الملائكة مناظرة بعد الأمر بالسجود لآدم، فقال لهم : إني أسلم أن الله خالقي وموجدي، وهو موجد الخلق، ولكن لي على حكمته أسئلة : الأول : ما الحكمة في إيجاد خلقه، لا سيما وكان عالمًا بأن الكافر لا يستوجب عند خلقه الآلام ؟ الثاني : ما الفائدة في التكليف، مع أنه لا يعود عليه نفع ولا ضرر، وكل ما يعود إلى المكلفين فهو قادر على تحصيله لهم من غيره واسطة التكليف ؟ الثالث : هب أنه كلفني بطاعته ومعرفته، فلماذا كلفني بالسجود لآدم ؟ الرابع : لما عصيته فلمَ لعنني وأوجب عقابي، مع أنه لا فائدة له ولا لغيره منه، وفيه أعظم الضرر ؟ الخامس : لما فعل ذلك فلِمَ مكنني من الدخول إلى الجنة ووسوسة آدم ؟ السادس : ثم لما فعل ذلك، فلم سلطني على أولاده. ومكنني من إغوائهم وإظلالهم ؟ السابع : ثم لما استمهلته بالمدة الطويلة في ذلك فلم أمهلني، ومعلوم أن العالم لو كان خاليًا من الشر لكان ذلك خيرًا. هـ. قال شارح الأناجيل : فأوحى الله إليه من سرادقات الكبرياء : إنك ما عوفتني، ولو عرفتني لعلمت أنه لا اعتراض عليَّ في شيء من أفعالي، فأنا الله لا إله إلا أنا لا أُسألُ عما أفعل.
قال الشهرستاني : اعلم أنه لو اجتمع الأولون والآخرون، وحكموا بتحسين العقل وتقبيحه لم يجدوا عن هذه الشبهات تخلصًا، أما إذا أجبنا بما أجاب به الحق ـ سبحانه ـ زالت الشبهات واندفعت الاعتراضات. هـ. قلت : من تشمرت فكرته بنور المعرفة، وعرف أسرار الحكمة والقدرة، لم يصعب عليه مثل هذه الشبهات، وسأذكر الجواب عنها على سبيل الاختصار :
٣٤١
أما الحكمة في أيجاد خلقهم ؛ فخلقهم ليعرف بهم. وفي الحديث القدسي :" كنت كنزًا لم أعرف، فأحببت أن أعرف، فخلقت خلقًا لأعرف بهم "، وليظهر بهم آثار قدرته وأسرار حكمته. وأما تعذيب الكافر بالآلام فليظهر فيه مقتضى اسمه المنتقم.