أما فائدة التكليف ؛ فلتقوم الحجة على العبيد، وليتميز من يستحق الإحسان ممن يستحق العذاب، فإذا عذبه لم يكن ظالمًا له ؛ ﴿وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ [الكهف : ٤٩]، ولتظهر صورة العدل في الجملة. وأما تكليفه بالسجود لآدم ؛ فلأنه ادعى المحبة، ومقتضاها الطاعة للحبيب في كل ما يشير إليه، ولا تصعب إلا في الخضوع للجنس، أو مَن دونه، فأمره بالسجود لمن دُونه في زعمه ؛ ليظهر كذبه في دعوى محبته، وأما لعنه وطرده ؛ فهو جزاء من كذب وعصى. وهذا الطرد كان في علمه تعالى، ولكن حكمته تعالى اقتضت ترتيب الأسباب وارتباطها بالمسببات، فكان امتناعه واعتراضه سببًا لإظهار ما سبق له في علم الله، كما كانت وسوسته لآدم سببًا في إظهار خروجه من الجنة السابق في علم الله. وأما تمكينه من دخول الجنة ؛ فليتسبب عنه هبوط آدم الذي سبق في علمه ؛ لأن الحكمة اقتضت أن لكل شيء سببًا. أما تسلطه على أولاده، فليكون منديلاً تمسح به أوساخ الأقدار ؛ إذا إن الكفر والإيمان والطاعة والعصيان إنما هو بمشيئة الواحد القهار، ولا فعل لغيره، لكن الحق تعالى علمنا الأدب، فخلق الشيطان والنفس والهوى مناديل، فما كان فيه كما نسبه لله، وما كان فيه نقص نسبه للشيطان والنفس ؛ أدبًا مع الحضرة.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٣٩


الصفحة التالية
Icon