وأما إمهاله ؛ فليدوم هذا المنديل عندهم، يمسحون فيه أوساخ المقادير التي تجري عليهم إلى انقضاء وجودهم. وقوله :( معلوم أن العالم لو كان خاليًا من الشر لكان ذلك خيرًا)، مغالطة ؛ لأن حكمته تعالى اقتضت وجود الضدين : الخير الشر، وبهما وقع التجلي والظهور ؛ ليظهر آثار أسمائه تعالى ؛ فإن اسمه المنتقم والقهار يقتضي وجود الشر، فيما نفهم، وليظهر انتقامه وبطشه للعيان، ومعلوم أن الملك إذا وصف بوصف جلالي أو جمالي لا يظهر شرف ذلك الاسم إلا بظهور آثاره في مملكته. وقوله :( إنك ما عرفتني...) الخ.. يقتضي أنه لو عرف الله حق معرفته لفهم أسرار هذه الأشياء التي اعترض بها على ما بيناها. والله تعالى أعلم.
الإشارة : الأكوان ظاهرها أغيار، وباطنها أنوار وأسرار، فمن وقف مع ظاهرها لزمه الاعتراض والإنكار، ومن نفذ إلى شهود باطنها لزمه المعرفة والإقرار، ولعل إبليس لم ـ في حال الأمر بالسجود ـ من آدم إلا الأغيار، ولو رأى باطنه لكان أول ساجد لله الواحد القهار.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٣٩
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ويا آدمُ اسكُن أنت وزوجُك﴾ حواء ﴿الجنة فكُلاَ من حيث شئتما﴾ من ثمارها، ﴿ولا تقربَا هذه الشجرة﴾ ؛ التين أو العنب أو الحنطة، ﴿فتكونا من الظالمين﴾ لأنفسكما بمخالفتكما، ﴿فوسوس لهما الشيطان﴾ أي : فعل الوسوسة لأجلهما، وهوة الصوت الخفي، ﴿ليُبدِي﴾ أي : ليظهر ﴿لهما ما وُورِيَ﴾ أي : ما غطى ﴿عنهما من سَوآتِهما﴾ أي : عوارتهما، واللام : للعاقبة، أي : فعل الوسوسة لتكون عاقبتهما كشف عورتهما، وكانا لا يريانها من أنفسهما، ولا أحداهما من الآخر. وفيه دليل على أن كشف العورة، ولو عند الزوج من غير حاجة ـ قبيح مستهجن في الطباع.