يقول الحقّ جلّ جلاله : في وصف المشركين :﴿وإذا فعلوا فاحشة﴾ أي : فعلة متناهية في القبح ؛ كعبادة الصنم، وكشف العورة في الطواف، احتجوا بفعل آبائهم فقالوا :﴿وجَدنَا عليها آباءنا واللهُ أمرنَا بها﴾ فاعتذروا بعذرين باطلين : أحدهما : تقليد آبائهم، والآخر : افتراؤهم على الله، فأعرض عن الأول ؛ لظهور فساده، ورد الثاني بقوله :﴿قل إنَّ الله لا يأمرُ بالفحشاء﴾ ؛ لأن الله تعالى جرت عادته على الأمر بمحاسن الأفعال ومكارم الخلال. ولا حجة فيه للمعتزلة. انظر البيضاوي.
والآية كأنها جواب سؤالين مترتبين ؛ كأنه قيل لهم : لِمَ فعلتم هذه الفواحش ؟ قالوا : وجدنا آباءنا، فقيل : ومن أين أخذها آباؤكم ؟ قالوا : الله أمرنا بها، فكذبهم الله بقوله :﴿إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون﴾، أي : أتتقولون على الله ما لا علم لكم به ؛ إنكار يتضمن النهي عن الافتراء على الله.
﴿قل أمرَ ربي بالقسط﴾ أي : العدل، وهو الوسط من كل أمر، المتجافي عن طرفي الإفراط والتفريط، وأمر بأن قال :﴿وأقيموا وجوهَكم عند كل مسجد﴾ أي : افعلوا الصلاة في كل مكان يمكن في السجود إذا حضرتكم، ولا تؤخروها حتى تعودوا إلى مساجدكم. والمعنى : إباحة الصلاة في كل موضع، فهو كقوله ﷺ :" جُعِلَت لِيَ الأرضُ مَسجدًا وَطَهورًا " وقيل : المراد إحضار النية والإخلاص لله في كل صلاة بدليل قوله :﴿وادعوه﴾ ؛ أي : اعبدوه ﴿مخلصين له الدين﴾ أي : الطاعة، فلا تعبدوا معه غيره، فإنكم راجعون إليه، ﴿كما بدأكم تعودون﴾ فيجازيكم على أعمالكم، فاحتج على البعث الأخروي بالبدأة الأولى ؛ لاشتراكهما في تعلق القدرة بهما، بل العود أسهل باعتبار العادة، وقيل : كما بدأكم من التراب، تعودون إليه، وقيل : كما بدأكم حفاة عراة غرلاً، تعودون، وقيل : كما بدأكم مؤمنًا وكافرًا، يُعيدكم. قاله البيضاوي.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٤٦


الصفحة التالية
Icon