﴿ولا تُسرفوا﴾ ؛ بتحريم الحلال، أو بالتقدم إلى الحرام، أو بإفراط الطعام والشره إليه، وقد عَدَّ في الإحياء من المهلكات : شره الطعام، وشره الوقاع، أي : الجماع ؟ ﴿إنه لا يحب المسرفين﴾ ؛ لا يرتضي فعلهم. وعن ابن عباس رضي الله عنه :( كُل ما شئت، والبس ما شئت، ما أخطأتك خصلتان : سَرفٌ ومخيلة ) أي : تكبر. وقال علي بن الحسين بن واقد : جمع الله الطب في نصف آية ؛ فقال :﴿كلوا واشربوا ولا تسرفوا﴾.
الإشارة : إنما أمر الحقّ ـ جلّ جلاله ـ بالتزين للصلاة والطواف ؛ لأن فيهما الوقوف بين يدي ملك الملوك، وقد جرت عادة الناس في ملاقاة الملوك : التهيىء لذلك بما يقدرون عليه من حسن الهيئة ؛ لأن ذلك زيادة تعظيم للملك، وتزيين البواطن بالمحبة والوداد أحسن من تزيين الظواهر وخراب البواطن ؛ " إنَّ اللهَ لا يَنظُرُ إلَى صُوَرِكُم ولاَ إلى أموَالِكُم، وإنَّمَا يَنظُرُ إلَى قُلوبِكُم وأعمَالِكُم " وملاقاة الملك بالذل والانكسار أحسن من ملاقاته بالتكبر والاستظهار. والله تعالى أعلم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٤٧
قلت : من قرأ :﴿خالصة﴾ ؛ بالرفع، فخبر بعد خبر، أو خبر عن مضمر، ومن قرأ بالنصب، فحال.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿قل﴾ لهم :﴿مَن حرَّم زينةَ اللهِ﴾ ؛ وهي ما يتجمل به من الثياب وغيرها، ﴿التي أخرج لعباده﴾ من النبات ؛ كالقطن والكتان، أو الحيوان ؛ كالحرير والصوف والوبر، والمعادن ؛ كالدروع والحلي، ﴿و﴾ قل أيضًا : من حرم ﴿الطيبات مِنَ الرزقِ﴾ أي : المستلذات من المآكل والمشارب، ويدخل فيها المناكح ؛ إذ هي من أعظم الطيبات. وفيه دليل على أن الأصل في المطاعم والملابس وأنواع التجملات : الإباحة ؛ لان الاستفهام للإنكار، وبه رد مالك ـ رحمه الله ـ على من أنكر عليه من الصوفية، وقال له : اتق الله يا مالك ؛ بلغني أنك تلبس الرقيق، وتأكل الرقاق، فكتب إليه بالآية.


الصفحة التالية
Icon