لهوًا ولعبًا، وغرتهم الحياة الدنيا فقبضتهم في شبكتها، فيقول تعالى : فاليوم ننساهم من لذيذ مشاهدتي، وحلاوة معرفتي، كما نسوا لقائي بشهود ذاتي، وأنكروا على أوليائي وأهل معرفتي، وجحدوا وجود التربية وحجروا على قدرتي، ولقد جئناهم بكتاب فصّلنا فيه كل شيء ؛ فقلنا فيه :﴿مَا نَنسَخْ مِنْ ءَايَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأتِ بِخَيْرٍ مِنْهَآ أَوْ مِثْلِهَآ﴾ [البَقَرَة : ١٠٦] إلى يوم القيامة، هل ينظرون إلا تأويله ؟ يوم يأتي تأويله بظهور درجات المقربين، في أعلى عليين، حينئذٍ يحصل لهم اليقين بوجود المقربين، أو بالتربية النبوية في كل زمان وحين، فيطلب الشفاعة في اللحوق بهم، أو يرد إلى العمل بعملهم.. هيهات! قد بُعثر ما في القبور، وحُصّل ما في الصدور، فخسر المبطلون، وفاز المجتهدون السابقون. جعلنا الله منهم بمنِّه وكرمه.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٥٧
قلت :﴿حثيثًا﴾ أي : سريعًا ؛ صفة لمصدر محذوف، أي : طلبًا حثيثًان أو حال من الفاعل، أي : حاثًا، و ﴿مسخراتٍ﴾ حال فيمن نصب، وخبر فيمن رفع، و ﴿تضرعًا وخفية﴾ : مصدران، حالان من الواو، وكذلك ﴿خوفًا وطمعًا﴾.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿إنَّ ربكم﴾ الذي يستحق أن تعبدوه، وهو ﴿اللهُ﴾ وحده ﴿الذي خلق السماوات والأرض﴾ أي : أظهرهما ﴿في ستة أيامٍ﴾ أي : مقدار ستة أيام من أيام الدنيا ؛ إذ لم يكن ثَمَّ شمس، ولو شاء خلقهن في لمحة، والعدول إليه ؛ لتعليم خلقه التأني والتثبت.
﴿ثم استوى على العرش﴾ استواء يليق به، والعرش : جسم عظيم محيط بالأكوان. سمي به ؛ لارتفاعه، وللتشبيه بسرير الملك، فالأكوان في جوفه ممحوقة ؛ فقد استولى عليها ومحقها، كذلك أسرار معاني الربوبية الأزلية قد استولت عليه وحقته، فيمكن أن يكون الحق تعالى عبَّر بالاستواء عن هذا الاستيلاء، وسيأتي في الإشارة تمامه إن شاء الله.


الصفحة التالية
Icon