وقال القشيري : ثم استوى على العرش، أي : تَوَحَّدَ بجلال الكبرياء بوصف الملكوت، وملوكنا إذا أرادوا التجلِّي والظهور للحَشَم والرعية ؛ برزوا لهم على سرير مُلكِهم في إيوان مشاهدتهم. فأخبر الحقُّ ـ سبحانه وتعالى ـ بما يَقرُب من فَهم الخلقِ،
٣٥٩
بما ألقى إليهم من هذه الكلمات، بأنه استوى على العرش، ومعناه : اتصافه بعز الصمدية وجلال الأحدية، وانفراده بنعت الجبروت وجلاء الربوبية، وتقدَّس الجبَّارُ عن الأقطار، والمعبودُ عن الحدود. هـ.
﴿يُغشي الليلَ النهارَ﴾ أي : يُغطي نور النهار بظلمةِ الليل، ﴿يطلبه حثيثًا﴾ أي : يعقبه سريعًا ؛ كالطالب له، لا يفصل بينهما شيء، ﴿و﴾ خلق ﴿الشمسَ والقمرَ والنجومَ مُسخرات بأمره﴾ أي : بقضائه وتصريفه، ومن عجائب تسخيرها أن جعلها مقرونة بأمور غيبية، دالة على ظهور شيء منها.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٥٩
والنهي عن النظر في النجوم أو تصديق المنجمين ؛ إنما هو لمن اعتقد التأثير لها مستقلة بنفسها، أو تصديقهم في تفصيل ما يخبرون به ؛ لأنهم إنما يقولون ذلك عن ظن وتخمين وجهل، فإنَّ عِلم النجوم كان معجزة لبعض الأنبياء، ثم اندرس ذلك العلم، فلم يبق إلا ما هو مختلط، لا يتميز فيه الصواب من الخطأ، فاعتقاد كون الكواكب أسبابًا لآثار يخلق الله ـ تعالى ـ بها في الأرض، وفي النبات والحيوان شيئًا، يعني في الجملة ليس قادحًا في الدين، بل هو الحق، ولكن دعوى العلم بتلك الآثار على التفصيل مع الجهل : قادر في الدين، فالكواكب ما خلقت عبثًا، ولهذا نظر عليه الصلاة والسلام إلى السماء وقرأ قوله تعالى :﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً...﴾ [آل عِمرَان : ١٩١] الآية. انظر الإحياء للغزالي.


الصفحة التالية
Icon