ثم قال تعالى :﴿إلا له الخلقُ والأمرُ﴾ أي : الإيجاد والتصرف بالأمر والنهي، ﴿تبارك الله رب العالمين﴾ أي : تعاظم في ألوهيته، وتعالى في ربوبيته، وتفرد في وحدانيته. قال البيضاوي :( وتحقيق الآية ـ والله أعلم ـ أن الكفرة كانوا متخذين أربابًا، فبيَّن لهم أن المستحق للربوبية واحد ـ وهو الله تعالى ؛ لأنه الذي له الخلق والأمر، فإنه تعالى خلق العالَم على ترتيب قويم، وتدبير حكيم ؛ فأبدع الأفلاك العلوية، والأجرام السفلية، ثم بعد تمام خلق عالَم الملك أخذ في تدبيره ؛ كالملِكِ الجالس على عرشه وسريره لتدبير مملكته، فدبر الأمر من السماء إلى الأرض، بتحريك الأفلاك وتسيير الكواكب، وتكوير الليالي والأيام، فله الخلق والأمر. وكذلك قال في آية السجدة بعد ذكر الخلق :﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِرُ الأَمْرَ﴾ [يُونس : ٣، السجدة : ٤]، فربُّ الخلائق : مَن هذا صفته، لا غيره، انتهى المعنى.
ثم أمرهم بأن يدعوه، متذللين مخلصين، فقال :﴿ادعوا ربكم تضرعًا وخُفيةً﴾ أي : ذوي تضرع وخفاء ؛ فإن الإخفاء دليل الإخلاص، ﴿إنه لا يحب المعتدين﴾ المتجاوزين ما أمروا به في الدعاء وغيره، ونبه على أن الداعي ينبغي ألاَّ يطلب ما لا يليق به ؛ كرتبة الأنبياء، وقيل : الاعتداء في الدعاء، هو الصياح به، والتشدق، أو اختراع دعوة لا أصل
٣٦٠


الصفحة التالية
Icon