واعلم أن المراقبة لا تستقيم حتى تتقدم قبلها المشارطة والمرابطة، ويتأخر عنها المحاسبة والمعاتبة، فأما المشارطة فهي اشتراط العبد على نفسه التزام الطاعة، وترك المعاصي، وأما المرابطة فهي معاهدة العبد لربه على ذلك، ثم بعد المشارطة والمرابطة في أول الأمر تكون المراقبة... الخ.
وبعد ذلك يحاسب العبدُ نفسَه على ما اشترطه وعاهد عليه، فإن وجد نفسه قد وفَّى بما عاهد عليه الله يحمد الله، وإن وجد نفسه قد حلَ عَقد المشارطة ونقض عهد المراقبة، عاقب النفس عقابًا شديدًا بزجرها عن العودة إلى مثل ذلك، ثم عاد إلى المشارطة والمرابطة، وحافظ على المراقبة، ثم اختبر بالمحاسبة، وهكذا يكون إلى أن يلقى الله تعالى. انتهى كلامه، وهو مقتبس من الإحياء. والله تعالى أعلم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣
قلت : اليتيم : مَنْ فقدَ أباه، ولا يقال فيه اليتيم عُرفا إلا قبل البلوغ، وهو هنا مجاز، أي : من كان يتيمًا، والحوبُ : الإثم، ويقال فيه : حوبا، بالضم والفتح، مع الواو والألف، مصدر حاب حوبًا وحوَبا وحابا.
يقول الحقْ جلّ جلاله :﴿وآتوا﴾ أي أعطوا ﴿اليتامى أموالهم﴾ إذا بلغوا، وأُنِس منهم الرشد، وسمَّاهم يتامى بعد البلوغ اتساعًا ؛ لقرب عهدهم بالصغر. حثًا على أن يُدفع إليهم أموالهم أول بلوغهم، قبل أن يزول عنهم هذا الاسم إذا أنِسَ فيهم الرشد، ويدل على هذا ما قيل في سبب نزول الآية، وهو أن رجلآ من غطفان كان معه مال كثير لابن أخ له، فلما بلغ طلب مال أبيه، فمنعه، فنزلت الآية، فلما سمعها العم قال : أطعنا الله ورسوله، ونعوذ بالله من الحُوب الكبير. وقيل : إن العرب كانت لا تورِّث الصغار مع الكبار، فأُمِرُوا أن يورثوهم، وعلى هذا يكون اليتيم على حقيقته، فعلى الأول : الخطاب للأوصياء، وعلى الثاني : للعرب التي كانت لا تورث الصغار.