ثم قال لهم :﴿واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح﴾ في مساكنهم، أو خلفاء في الأرض من بعدهم بأن جعلكم ملوكًا، فإن شداد بن عاد ممن ملك معمورة الأرض، من رمل عالج إلى بحر عمان، خوفهم أولاً من عقاب الله، ثم ذكرهم بإنعامه ؛ ﴿وزادكم في الخلق بسطة﴾ أي : قامة وقوة، فكانوا عظام الأجساد، فكان أصغرهم : ستين ذراعًا، وأطولهم : مائة ذراع. ﴿فاذكروا آلاء الله﴾ أي : نعمه، تعميم بعد تخصيص، ﴿لعلكم تفلحون﴾ أي : لكي يفضي بكم ذكر النعم إلى شكرها المؤدي إلى الفلاح، ومن شكرها : الإيمان برسولهم.
﴿قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونَذَرَ ما كان يعبد آباؤنا﴾ من الأصنام، استبعدوا اختصاص الله بالعبادة والإعراض عما وجدوا عليه آباءهم ؛ انهماكًا في التقليد، وحبًا لما ألفوه مع اعترافهم بالربوبية، ولذلك قال لهم هود عليه السلام :﴿قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب﴾، بعد أن قالوا :﴿فأْتنا بما تعدنا﴾ من العذاب ﴿إن كنت من الصادقين﴾ فيه. ﴿قال قد وقع﴾ أي : وجب ﴿عليكم من ربكم رجسٌ﴾ ؛ عذاب ﴿وغضب﴾ إرادة الانتقام، ﴿أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم﴾ أي : أتجادلونيي في عبادة مسميات أسماء، ففي الكلام حذف. وأراد بقوله :﴿سميتموها أنتم وآباؤكم﴾ أي : جعلتم لها أسماء، فدل ذلك على أنها محدثة، فلا يصح أن تكون آلهة، أو سميتموها آلهة من غير دليل، وهو معنى قوله :﴿ما نزَّل اللهُ بها من سلطان﴾ أي : حجة تدل على استحقاقها للعبادة، فالمجادلة يحتمل أن تكون في عبادتها، أو في تسميتها آلهة، والمراد بالاسم ـ على الأول ـ المسمى، وعلى الثاني : التسمية. قاله ابن جزي :﴿فانتظروا﴾ نزول العذاب، الذي طلبتم حين أصررتم على العناد، ﴿إني معكم من المنتظرين﴾ نزوله.


الصفحة التالية
Icon