قلت : الاستثناء منقطع، وكان تامة لمن رفَع، وناقصه لمن نصب، واسمها : ضمير الأموال، على حذف مضاف، إلاَّ أن تكون الأموال أموالَ تجارة.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل﴾ الذي لا تُجوزه الشريعة، كالربا والقمار، والغصب والسرقة، والخيانة والكهانة والسحر وغير ذلك ﴿إلا أن تكون﴾، أي : لكن إن وجدت ﴿تجارة﴾ صحيحة ﴿عن تراضٍ منكم﴾ أي : اتفاق منكم على البيع، وبه استدلت المالكية على انعقاد البيع بالعقد ولو لم يحصل تفرق بالأبدان.
٣٥
وقال الشافعي : إنما يتم بالتفرق بالأبدان، لقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ :" البَيِّعَان بالخِيَار مَا لَمْ يتَفَرَّقَا " وحمله مالك على التفرق بالكلام، وقال أكثر المفسرين : التخيير، هو أن يُخير كلُ واحد منهما صاحبة بعد عقد البيع، وقد ابتاع عمرو بن جرير فرسًا، ثم خَيَّر صاحبه بعد البيع، ثم قال : سمعت أبا هريرة يقول : البيع عن تراض. قال البيضاوي : وتخصيص التجارة من الوجوه التي يحل بها انتقال مال الغير، لأنها أغلب وأوفق لذوي المروءات، ويجوز أن يُراد بها الانتقال مطلقًا. وقيل : المقصود بالنهي : صرف المال فيما لا يرضاه الله تعالى، وبالتجارة : صرفه فيما يرضى. هـ.
الإشارة : لا تصرفوا أموالكم ولا أحوالكم في غير ما يُقربكم إلى الحق ؛ فإن ما سوى الحق كله باطل، كما قال الشاعر :
ألا كُلُّ شيء مَا خَلآ اللهَ باطلُ
وكُلٌّ نَعِيمٍ لا مَحَالةَ زائل
إلا أن يكون صرفه في تجارة رابحة، تقربكم من الحبيب، وتجلبُكم إلى حضرة القريب، فتلك تجارة رابحة وصفقة نافعة. والله تعالى أعلم.
ثم تكلم على بعض ما يتعلق بحفظ الأبدان، وسيأتي تمامه في قوله :﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنِ...﴾ [النساء : ٩٢] إلى آخر الآيات، فقال :
{...
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٥