ثم قال شعيب عليه السلام :﴿قد افترينا على الله كذبًا إن عُدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها﴾ أي : إن رجعنا إلى مثلكم بعد الخلاص منها، فقد اختلقنا على الله الكذب، وهذا كله في حق قومه كما تقدم. ﴿وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربُّنا﴾ خذلاننا وارتدادنا، وفيه تسليم للإدارة المغيبة، والعلم المحيط، فإن القلوب بيد الله يقلبها كيف يشاء. فإن قلت : هو معصوم فلا يصح فيه العود ؟ قاله أدبًا مع الربوبية، واستسلامًا لقهر الألوهية، كقول نبينا ﷺ " يا مُقَلِّبَ القُلوبِ ثَبِّت قَلبي عَلَى دِينِكَ " ﴿وَسِع ربُّنا كلَّ شيءٍ علمًا﴾ أي : أحاط علمه بكل شيء مما كان وما يكون منا ومنكم، ﴿على الله توكلنا﴾ في أن يثبتنا على الإيمان، ويخلصنا من الإشراك. ﴿ربنا افتح بيننا﴾ أي : احكم بيننا ﴿وبين قومنا بالحق﴾ بالعدل، بتمييز المحق من المبطل، ﴿وأنت خير الفاتحين﴾ أي الفاصلين.
﴿وقال الملأُ الذين كفروا من قومه لئن اتبعتُم شعيبًا﴾ وتركتم دينكم ﴿إنكم إذًا﴾ أي : إذا اتبعتموه ﴿لخاسرون﴾ ؛ لاستبدالكم ضلالته بهداكم، أو لفوات ما يحصل لكم من البخس والتطفيف. ﴿فأخذتهم الرجفةُ﴾ أي : الزلزلة. وفي سورة الحجر.
٣٧٥
﴿الصيحة﴾، ولعلها كانت من مبادئها، ﴿فأصبحوا في دارهم﴾ أي : في مدينتهم ﴿جاثمين﴾ باركين ميتين.
﴿الذين كذَّبوا شعيبًا كأن لم يَغنَوا فيها﴾ أي : استؤصلوا كأنهم لم يقيموا فيها ساعة. ﴿الذين كذَّبوا شعيبًا كانوا هم الخاسرين﴾ دينًا ودُنيا، بخلاف الذين صدقوه واتبعوه كما زعموا ؛ فإنهم الرابحون، ولأجل التنبيه على هذا والمبالغة فيه كرر الموصول، واستأنف الجملتين وأتى بهما اسميتين. ﴿فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتُكم رسالات ربي ونصحتُ لكم﴾، قاله بعد هلاكهم، تأسفًا عليهم، ثم أنكر على نفسه فقال :﴿فكيف آسى على قومٍ كافرين﴾ ليسوا أهلاً للحزن عليهم، لاستحقاقهم ما نزل بهم.