قوله تعالى :﴿ولكن كذَّبوا﴾ أي : شكُّوا في هذا الوعد فلم يتقوا بالإيمان والتقوى حتى يتركوا الأسباب، والشاك في الصادق المصدوق مكذب. وقال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه : للناس أسباب، وسببنا الإيمان والتقوى، ثم تلا هذه الآية :﴿ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا...﴾ الآية، وقد تقدم عند قوله :﴿الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوَاْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ﴾ [الأنعَام : ٨٢]. ما يتعلق بالأمن من مكر الله.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٧٦
قلت :﴿أن لو نشاء﴾ :" أن " مخففة، وهي وما بعدها : فاعل ﴿يَهدِ﴾ أي : أو لم يتبين لهم قدرتنا على إهلاكهم لو نشاء ذلك ؟ وإنما عدى " يهدي " باللام ؛ لأنه بمعنى يتبين، و ﴿نطبع﴾ : استئناف، أي : ونحن نطبع على قلوبهم.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿أوَ لم يهدِ﴾ أي : يتبين ﴿للذين يرثون الأرضَ من بعد أهلها﴾ أي : يخلفون من قبلهم ويرثون ديارهم وأموالهم، ﴿أن لو نشاء أصبناهم﴾ أي : أهلكناهم ﴿بذنوبهم﴾ بسبب ذنوبهم، كم أهلكنا من قبلهم، لكن أمهلناهم ولم نهملهم، ﴿و﴾ نحن ﴿نَطبَعُ على قلوبهم﴾ بالغفلة والانهماك في العصيان، ﴿فهم لا يسمعون﴾ سماع تدبر واعتبار.
﴿تلك القرى﴾، التي قصصنا عليك آنفًا، ﴿نقصّ عليك من أنبائها﴾ من أخبارها، أي : بعض أخبارها، ولها أبناء غيرها لا نقصها عليك ﴿ولقد جاءتهم رسُلهم بالبينات﴾ : بالمعجزات، ﴿فما كانوا ليؤمنوا﴾ عند مجيئهم، بها ﴿بما كذَّبوا من قبل﴾ مجيئها، يعني : أن ظهور المعجزات لم ينفعهم، بل الشي الذي كذبوا به قبل مجيئها، وهو التوحيد وتصديق الرسل ؛ استمروا عليه بعد مجيئها.
أو :﴿فما كانوا ليؤمنوا﴾ مدة عمرهم بما كذبوا به أولاً، حيث جاءتهم الرسل، فلم تؤثر فيهم دعوتهم المتطاولة والآيات المتتابعة. ﴿كذلك يطبعُ الله على قلوب الكافرين﴾ فلا تلين شكيمتهم بالآيات والنذر.


الصفحة التالية
Icon