ولمَّا خرجوا إلى الصحراء لمقابلته ﴿قالوا يا موسى إما أن تُلقي وإما أن نكونَ نحن الملقين﴾ ؛ خيّروا موسى مراعاة للأدب، وإظهارًا للجلادة، ولكن كانت رغبتهم في أن يلقوا قبله، ولذلك عبَّروا عن إلقاء موسى بالفعل وعن إلقائهم بالجملة الاسمية، وفيه إشارة إلى أنهم أهل الإلقاء المتمكنون فيه. ولذلك أسعفهم، ﴿قال ألقوا﴾ أسعفهم كرمًا ومسامحة وازدراءً بهم، ﴿فلما ألقوا سحروا أعين الناس﴾، بأن خيلوا إليها خلاف ما في حقيقة الأمر، ﴿واسترهبوهم﴾ أي : خوفوهم بما أظهروا لهم من أعمال السحر، ﴿وجاؤوا بسحر عظيم﴾ في فَنّه. رُوِي أنهم ألقوا حبالاً غلاظًا، وخشبًا طوالاً، كأنها حيات، ملأت الوادي، وركب بعضها بعضًا.
﴿وأوحينا إلى موسى أن ألقِ عصاكَ﴾، فألقاها، فصارت ثعبانًا عظيمًا، على قدر الجبل، وقيل : إنه طال حتى جاوز النيل، ﴿فإذا هي تَلقَفُ﴾ أي : تبتلع ﴿ما يأفِكُون﴾ ما يُزَوِّرُونَهُ من إفكهم وكذبهم، رُوِي أنها لما ابتلعت حبالهم وعصيهم، وكانت ملأت الوادي، فابتلعتها بأسرها، أقبلت على الحاضرين، فهربوا وازدحموا حتى هلك منهم جمع عظيم، ثم أخذها موسى فصارت عصًا كما كانت، فقال السحرة : لو كان هذا سحرًا لبقيت حبالنا وعصينا.
﴿
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٨١
فوقعَ الحقُّ﴾ أي : ثبت بظهور أمره، ﴿وبَطَلَ ما كانوا يعملون فَغُلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين﴾ أي : صاروا أذلاء مبهوتين، أو انقلبوا إلى المدينة مَقهورين.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٨١
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿وأُلقى السحرةُ﴾ على وجوهم ﴿ساجدين﴾ لما عرفوا الحق وتحققوا به، فآمنوا ؛ لأن الحق بهرهم، واضطرهم إلى السجود بحيث لم يتمالكوا، أو ألهمهم الله ذلك وحملهم عليه، حتى ينكسر فرعون بالذين أراد بهم كسف موسى، وينقلب الأمر عليه.