﴿قالوا آمنا بربِّ العالمين ربِّ موسى وهارون﴾ أبدلوا الثاني من الأول ؛ لئلا يتوهم أنهم أرادوا به فرعون. ﴿قال فرعونُ آمنتم به﴾ أي : بالله أو بموسى، ﴿قبل أن آذن لكم إنَّ هذا لمكرٌ مكرتموه﴾ أي : إن هذه لَحيلة صنعتموها أنتم وموسى ﴿في المدينة﴾ ؛ في
٣٨٢
مصر، ودبرتموها قبل أن تخرجوا للميعاد ؛ ﴿لتُخرِجُوا منها أهلها﴾ أي : القبط، وتخلص لكم ولبني إسرائيل، ﴿فسوف تعلمون﴾ عاقبة ما صنعتم.
ثم فصّل ما هددهم به، فقال :﴿لأقطعّن أيديكم وأرجلكم من خلاف﴾ من كل شق عضو، كَيَدٍ ورِجل من كل واحد ﴿ثم لأُصلبنَكم أجمعين﴾ تفضيحًا لكم وتنكيلاً لأمثالكم، وليس في القرآن أنه أنفذ ذلك، ولكن رُوِي عن ابن عباس وغيره أنه فعله. قيل : إنه أول من سنَّ ذلك ـ أي : القطع من خلاف ـ فشرعه الله للقطاع تعظيمًا لجرمهم، فلذلك سماه الله محاربة لله ورسوله.
﴿قالوا﴾ أي : السحرة لما خوفهم :﴿إنا إلى ربَّنا منقلبون﴾ بالموت، فيكرم مثوانا، فلا نُبالي بوعيدك، كأنهم اشتاقوا إلى اللقاء، فهان عليهم وعيده، أو إنا وأنت إلى ربنا منقلبون، فيحكم بيننا وبينك، ﴿وما تَنقِمُ منا﴾ أي : وما تعيب علينا ﴿إلا أن آمنا بآيات ربَّنا لما جاءَتنا﴾، وهو لا يعاب عند العقلاء، لأنه خير الأعمال، وأصل المناقب ومحاسن الخلال، ثم فزعوا إلى الله فقالوا :﴿ربنا أفرِغ علينا صبرًا﴾ أي : اصبب علينا صبرًا يغمرنا، كما يُفرغ الماء على الشيء فيغمره، ﴿وتوفنا مسلمين﴾ ثابتين على الإسلام. قال البيضاوي : قيل إنه فعل بهم ذلك، وقيل : إنه لم يقدر عليه، لقوله :﴿أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ﴾ [القَصَص : ٣٥]. هـ. وقد تقدم قول ابن عباس وغيره. والله تعالى أعلم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٨٢


الصفحة التالية
Icon