الإشارة : انظر من سبقت له العناية، هؤلاء السحرة جاؤوا يُحادون الله فأمسوا أولياء الله، فكم من خصوص تخرج من اللصوص، وانظر أيضًا صبرهم وثباتهم على دينهم، وعدم مبالاتهم بعدوهم، هكذا ينبغي أن يكون مَن مراده مولاه، لا يلتفت إلى شيء سواه، وعند هذه التصرفات يفتضح المُدّعُون ويثبت الصادقون، عند الامتحان يعز المرء أو يُهان.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٨٢
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿وقال الملأُ من قوم فرعون أَتذَرُ موسى وقومَه﴾ أي : تتركهم يخالفون دينك ﴿ليُفسدوا في الأرض﴾ أي : يخربوا ملكك بتغيير دينك ودعوتهم إلى مخالفتك، ﴿ويَذَرك وآلهتك﴾ أي : يترك موسى دينك ومعبوداتك التي تعبد، قيل :
٣٨٣
كان يعبد الكواكب، وقيل : صنع لقومه أصنامًا وأمرهم أن يعبدوها تقربًا إليه. ولذلك قال :﴿أَنَاْ رَبُّكُمُ الأَعْلَى﴾ [النَّازعَات : ٢٤]. قال فرعون في جوابهم :﴿سَنُقتِّل أبناءَهم﴾ أي : ذكورهم ﴿ونستحي نساءهم﴾ أي : بناتهم، كما كنا نفعل من قبل، ليُعلم أَنَّا على ما كنا عليه من القهر والغلبة، ولا يتوهم أنه المولود الذي حكم المنجمون والكهنة بذهاب ملكنا على يديه. ﴿وإنا فوقهم قاهرون﴾ غالبون، وهم مقهورون تحت أيدينا.
﴿قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا﴾، قاله تسكينًا لهم حين سمعوا قول فرعون وما هددهم به، ثم قال لهم :﴿إن الأرض لله يُورثها من يشاء من عباده﴾ وسيورثها لكم إن صبرتم وآمنتم. ﴿والعاقبة للمتقين﴾، فتكون العاقبة لكم إن اتقيتم، وهو وعدٌ لهم بالنصر والعز، وتذكير بما وعدم من إهلاك القبط وتوريثهم ديارهم وملكهم.