﴿وتمّتْ كلمةُ ربك الحسنى على بني إسرائيل﴾ أي : نفذت ومضت واستقرت، والكلمة هنا : ما قضى في الأزل من إنقاذهم من عدوهم، وقيل : قوله :﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعفُواْ فِي الأَرْضِ﴾ [القَصَص : ٥] وكانت حسنى ؛ لما فيها من النصر والعز، ﴿بما صبروا﴾ أي : بسبب صبرهم على الشدائد ﴿ودمَّرنا﴾ أي : خربنا ﴿ما كان يصنعُ فرعونُ وقومهُ﴾ من القصور والعمارات، ﴿وما كانوا يعْرِشُون﴾ من البنيان المرتفع كصرح هامان، أو ما كانوا يرفعون من الكروم في البساتين على العرشان، فالأول من العرش والثاني من العَريش.
٣٨٧
الإشارة : قد جرت عادة الله في خلقه أن يظهر الخواص من عباده، فَيُنكَرُوا أو يستضعفوا، حتى إذا طُهّروا من البقايا وتمكنوا من شهود الحق، مَنَّ الله عليهم بالعز والنصر والتمكين، فمنهم من يمكن من التصرف في الحس والمعنى، ويقره الوجود بأسره، ومنهم من يمكَّن من التصرف في الكون بهمته، ولكنه تحت أستار الخمول، لا يعرفه إلا من اصطفاه لحضرته، وهذا من شهداء الملكوت، ضنَّ به الحق تعالى فلم يظهره لخلقه. والله تعالى أعلم وأحكم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٨٥
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿وجاوزنا بِبني إسرائيل﴾ أي : قطعنا بهم ﴿البحرَ﴾، رُوِي أنهم عبروه يوم عاشوراء، بعد مهلك فرعون، فصاموه شكرًا، ﴿فأَتَوا على قوم﴾ أي : مروا على قوم من العمالقة، وقيل : من لخم، ﴿يعكُفُون على أصنام لهم﴾ أي : يقيمون على عبادتها، قيل : كانت تماثيل البقر، وذلك أول شأن عبادة العجل، وهؤلاء القوم، قيل : هم الجبارُون الذين أمر موسى بقتالهم بعد وصوله إلى الشام، ولما رأهم بنو إسرائيل ﴿قالوا يا موسى اجعل لنا إلهًا﴾ أي : مثالاً نعبده ﴿كما لهم آلهة﴾ يعبدونها، ﴿قال﴾ لهم موسى عليه السلام :﴿إنكم قوم تجهلون﴾، وَصَفَهُم بالجهل المطلق، وأكده بإن ؛ لبُعد ما صدر منهم، بعد ما رأوا من الآيات الكبرى.