قال البيضاوي : ذكر ما أحدثه بنو إسرائيل من الأمور الشنيعة بعد أن مَنَّ الله تعالى عليهم بالنعم الجسام، وآراهم من الآيات العظام، تسليةً لرسول الله ﷺ عما كان يرى منهم ويلقى من التشغيب، وإيقاظًا للمؤمنين حتى لا يغفلوا عن محاسبة أنفسهم ومراقبة أحوالهم. هـ. وذكر في " القوت " أن يهوديًّا قال لعلي رضي الله عنه : كيف اختلفتم وضربتم وجوه بعضكم بالسيف، ونبيكم قريب عهد بكم ؟ فقال : أنتم لم تجف أقدامكم من ماء البحر حتى قلتم :﴿اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة﴾. هـ.
ثم قال لهم موسى رضي الله عنه :﴿إن هؤلاء مُتَبَّرٌ﴾ : مدمر هالك ﴿ما هُم فيه﴾ يعني : أن الله تعالى يهدم دينهم الذي هم فيه، ويحطم أصنامهم ويجعلها رضاضًا. ﴿وباطلٌ﴾ مضمحل ﴿ما كانوا يعملون﴾ من عبادتها، وإن قصدوا بها التقرب إلى الله
٣٨٨
تعالى، وإنما بالغ في هذا الكلام تنفيرًا وتحذيرًا عما طلبوا. ﴿قال أغيرَ اللهِ أبغيكم﴾ أطلب لكم ﴿إلهًا﴾ أي : معبودًا ﴿وهو فضّلكم على العالمين﴾ أي : والحال أنه قد خصكم بنعم لم يُعطها غيركم، وفيه تنبيه على سوء مقابلتهم حيث قابلوا تخصيص الله لهم بما استحقوه تفضلاً، بأن قصدوا أن يشركوا به أخس شيء من مخلوقاته وأبلدَه، وهو البقر.
﴿
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٨٨
وإذ أنجيناكم من آل فرعون﴾
أي : واذكروا صُنعه معكم في هذا الوقت حيث نجاكم من فرعون ورهطه ﴿يسومُونَكم﴾ أي : يذيقونكم ﴿سوءَ العذاب﴾، ثم بينَّه بقوله :﴿يقتلون أبناءَكم﴾ ذكورهم ﴿ويستحيون نساءَكم﴾ أي : بناتكم، ﴿وفي ذلكم بلاءٌ من ربكم عظيم﴾ أي : وفي ذلك القتل امتحان عظيم، أو في ذلك الإنجاء نعمة عظيمة وامتنان عظيم.


الصفحة التالية
Icon