الإشارة : من جاوز بحر التوحيد وحاد عنه، ولم يغرق فيه، لا يخلو من طلب شرك جلي أو خفي ؛ لأن النفس ما دامت لم تغرق في بحر الوحدة، ولم تسبها جمال المعاني، قطعًا تميل إلى شيء من جمال الحس، لأن الروح في أصلها عشاقة، إن لم تعشق جمال الحضرة تعشق جمال الحس، ومن ركن إلى شيء مما سوى الله فهو شرك عند الموحدين من المحققين، ويؤخذ من الآية أن شكر النعم هو تلخيص التوحيد، وانفراد الوجهة إلى الله تعالى ؛ لأن بني إسرائيل لمَّا أنعم الله عليهم بالإنجاء وفلق البحر قابلوا ذلك بطلب الشرك، فسقطوا من عين الله واستمر ذلهم إلى يوم القيامة. والله تعالى أعلم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٨٨
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿وواعدنا موسى﴾ ؛ لإنزال الكتاب ﴿ثلاثين ليلة﴾ من ذي القعدة، ﴿وأتممناها بعشر﴾ من ذي الحجة، ﴿فتمَّ ميقاتُ ربه﴾ بالغًا ﴿أربعين ليلة﴾، رُوِي أنه عليه السلام وعد بني إسرائيل، بمصر، أن يأتيهم بعد مهلك فرعون بكتاب الله تعالى، فيه بيان ما يأتون وما يذرون، فلما هلك فرعون سأل ربه فأمره بصوم ثلاثين، فلما أتم أنكر خلوف فيه فتسوك، فقالت الملائكة : كنا نشم منك رائحة المسك فأفسدتَه بالسواك، فأمره الله تعالى أن يزيد عليه عشرًا، ثم أنزل عليه التوراة.
﴿وقال موسى لأخيه هارون﴾، عند ذهابه إلى الطور للمناجاة :﴿أخلُفني في قومي﴾ أي : كن خليفتي فيهم ﴿وأصلح﴾ ما يجب أن يصلح من أمورهم، أو كن
٣٨٩
مصلحًا، ﴿ولا تتبع سبيلَ المفسدين﴾ أي : لا تتبع سبيل من يسلك الإفساد، ولا تطع من دعاك إليه.