الإشارة : كل من انقطع إلى الله تعالى بكليته واعتزل عن الخلق، وأخلى قلبه عما سوى الحق، حصلت له المناجاة والمكالمة، كما وقعت للكليم عليه السلام، وكل ما منحه الله للأنبياء يكون منه نصيب للأولياء من هذه الأمة، والله تعالى أعلم. وفي الحديث :" مَن أخلَصَ أربَعِينَ صبَاحًا ظَهَرَت يَنابِيعُ الحِكمَةِ مِن قَلبِهِ عَلَى لِسَانِه ". قال بعض الحكماء : والسر في ذلك أن الله تعالى أمر بطينة آدم فخمرت في الماء أربعين يومًا، فتربى فيها أربعون حجابًا، فلولا تلك الحجب ما استطاع المقام في الأرض، فمن أيده الله على زوالها تشبه بالملأ الأعلى، وخرقت له العوائد، وأشرق النور من قلبه. ولهذا المعنى بقي داود عليه السلام ساجدًا أربعين يومًا، فقبلت توبته، ومكث إبراهيم عليه السلام في نار النمرود أربعين يومًا، فاتخذه الله خليلاً، وكان بعد ذلك يقول : ما رأيت أحلى من تلك الأيام، فمن أخلص في عبادته وأزال تلك الحجب عن قلبه كان ربانيًا. قال تعالى :﴿وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّنَ﴾ [آل عِمرَان : ٧٩]. انظر الشطيبي.
ويؤخذ من الآية أن الشيخ إذ أراد أن يسافر من زاويته ينبغي له أن يخلف خليفة عنه ليقوم له بنظام الزاوية، إذ لا خير في قوم ليس فيهم من يعظهم في الله. وبالله التوفيق.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٨٩
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ولما جاء موسى لميقاتنا﴾ الذي وقتنا له ﴿وكلَّمه ربه﴾ من غير واسطة كما يكلم الملائكة. وفيما رُوِي : أنه كان يسمع ذلك الكلام من كل جهة، وفيه تنبيه على أن سماع كلامه القديم ليس من جنس كلام المحدثين. قاله البيضاوي. وقال الورتجبي : أي أسمع عجائب كلامه كليمه ليعرفه بكلامه ؛ لأن كلامه مفاتيح كنوز الصفات والذات. هـ. وقال ابن جزي : لما سمع موسى كلام الله طمع في
٣٩٠
رؤيته، فسألها، كما قال الشاعر :
وأبرحُ ما يَكُونُ الشَّوقُ يَومًا
إذا دَنَت الديارُ من الدَّيَارِ


الصفحة التالية
Icon