يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿لما سكت﴾ أي : سكن ﴿عن موسى الغضبُ﴾ ؛ لَمَّا كان الغضب هو الحامل له على ما فعل صار كأنه كان يأمره به ويغريه عليه، حتى عبَّر عن سكونه بالسكوت، أي : لما سكن غضبه ﴿أخذَ الألواحَ﴾ التي ألقاها، ﴿وفي نُسختها﴾ أي : وفيما نسخ فيها، أي : كُتب ﴿هُدَىً ورحمة﴾ أي : بيان للحق وإرشاد إلى الصلاح والخير، ﴿للذين هم لربهم يرهبون﴾ أي : للذين يخافون ربهم ويهابونه ؛ هم المنتفعون بها، ودخلت اللام في المفعول ؛ لضعف العامل بتأخره.
الإشارة : الغضب لأجل النفس يُفسد الإيمان، كالحنظل مع العسل، ولذلك قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ للذي قال له : أوصني، قال :" لا تَغضَب "، ثم كرر عليه : أوصني، قال :" لا تَغضَب "، ثلاثًا، لأن الغضب المفرط يغطي نور العقل، فيصدر من صاحبه أمور منكرة، قد يخرج بها عن الإيمان بالكلية، وقد يؤدي إلى قتل نفسه والعياذ بالله، والغضب معيار الصوفية ؛ قال بعضهم : إذا أردت أن تعرف الرجل فغضبه وانظر ما يخرج منه، إلى غير ذلك مما ورد فيه، فإن كان غضبه لله أو بالله فلا كلام عليه، وهو حال الأنبياء وأكابر الأولياء ـ رضي الله عنهم ـ.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٩٧
﴿وَاخْتَارَ مُوسَىا قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَآءُ مِنَّآ إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَآءُ وَتَهْدِي مَن تَشَآءُ أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَـاذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَآ إِلَيْكَ...﴾
٣٩٨