يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿واختارَ موسى قومه﴾ من قومه ﴿سبعين رجلاً﴾ يعتذرون عن قومهم في عبادة العجل، ﴿لميقاتنا﴾ الذي وقتنا لهم يأتون إليه، وقيل : إن الله تعالى أمره به بأن يأتيه في سبعين من بني إسرائيل، فاختار من كل سبط ستةً، فزاد على السبعين اثنان، فقال : يتخلف منكم رجلان، فتشاجروا، فقال : إن لِمن قعد أجر من خرج، فقعد كالب ويوشع، وذهب معه الباقون، فلما دنوا من الجبل غشية غمام، فدخل موسى بهم الغمام وخروا سُجدًا، فسمعوه يكلم موسى، يأمره وينهاه، ثم انكشف الغمام، فأقبلوا إليه، وقالوا :﴿لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً﴾ [البَقَرَة : ٥٥]، ﴿فأخذتهم الرجفة﴾ أي : الصعقة، أو رجفة الجبل، عقابًا لهم على قولهم، فصعقوا منها، يحتمل أن تكن رجفة موت أو إغماء. والأول أظهر ؛ لقوله :﴿ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِن بَعْدِ مَوْتِكُمْ﴾ [البَقَرَة : ٥٦].
﴿
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٩٨
فلما أخذتهُم الرّجفَةُ قال﴾
موسى :﴿ربِّ لو شئتَ أهلكتَهم من قبل وإيّايَ﴾، تمنى هلاكهم وهلاكه قبل ذلك الوقت، لأنه خاف من تشغيب بني إسرائيل عليه، إن رجع إليهم دون هؤلاء السبعين، ربما قالوا : عرّضهم للهلاك، أو يكون قال ذلك على وجه الاستسلام والانقياد للقضاء، أي : لو شئت أن تُهلكنا من قبل ذلك لفعلت، فإنا عبيدك وتحت قهرك تفعل بنا ما تشاء، أو يكون قاله على وجه التضرع والرغبة، أي : لو ئشت أن تهلكنا قبل اليوم لفعلت، لكنك عافيتنا وأنقذتنا وأغرقت عدونا، فافعل بنا الآن كما عودتنا، وأحيي هؤلاء الذي أمتهم، إذ ليس ببعيد من عميم إحسانك، ﴿أَتُهلِكُنا بما فعلَ السفهاءُ منّا﴾ من العناد والتجاسر على طلب الرؤية، أو بما فعل السفهاء من عبادة العجل.


الصفحة التالية
Icon