﴿إن هي إلا فتنتُك﴾ أي : ابتلاؤك حين أسمعتهم كلامك، حتى طمعوا في الرؤية، أو فتنتك لهم بأن أجريت الصوت من العجل حتى افتتنوا به، وهذا اعتراف بالقدر، ورجوع إلى قوله :﴿فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ...﴾ [طه : ٨٥] الآية، ولذلك قيل : إنه قال له تعالى : نعم هي فتنتي يا حكيم الحكماء. هـ. أي : ما هذه الأمور كلها التي صدرت من بني إسرائيل إلا فتنتك ﴿تُضلَّ بها من تشاء﴾ ضلالته، باتباع المخايل، ﴿وتهدي من تشاء﴾ هدايته، فيقوي بها إيمانه، وهو اعتذار عن فعل السفهاء فإنه كان بقضاء الله ومشيئته.
﴿أنت وليُّنا﴾ القائم بأمرنا، أو ناصرنا من الوقوع في أسباب المهالك، ﴿فاغفر لنا﴾ ما قارفنا من الذنوب، ﴿وارحمنا﴾ أي : اعصمنا من الوقوع في مثله، ﴿وأنت خير الغافرين﴾ ؛ تغفر السيئة وتبدلها بالحسنة، ﴿واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة﴾ أي : حالة حسنة من حسن معيشة وتوفيق طاعة، ﴿وفي الآخرة﴾ حسنة ؛ نعيم الجنة، ﴿إنا هُدنا إليك﴾ أي : تبنا إليك، من هادَ يهود : إذا رجع، أي : رجعنا إليك بالتوبة مما سلف منا.
٣٩٩
الإشارة : السلامة من العطب هو في مقام الهيبة والأدب، ولذلك قيل : قف بالبساط، وإياك والانبساط. وأما مقام الإدلال فلا يصح إلا من أكابر الأنبياء، والأولياء المحققين بمقام المحبوبة، المتحَفين بغاية الخصوصية، ومنه قول سيدنا موسى عليه السلام :﴿أتهلكنا بما فعل السفهاء منا﴾، كما قال في الإحياء. والإدلال : هو انبساط يثور من مقام الأنس والتحقق بالمحبة الخاصة، ولا يتفق إلا من محبوب مأخوذ عنه، ليس عليه بغية من نفسه، ولا شعور بوجوده وأنانيته، وإلا ردّ في وجهه وكان سبب عطبه. ومن الإدلال : ما وقع لأبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه في حزبه الكبير، من قوله : وليس من الكرم إلا تحسن إلا لمن أحسن إليك... الخ. وقد وقع لغيره من المحبوبين. والله تعالى أعلم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٩٨