يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ولا تتمنوا ما فضَّل الله به﴾ من الميراث ﴿بعضكم على بعض﴾، كتضعيف الذكر على الأنثى، فللرجال ﴿نصيب مما اكتسبوا﴾ أي : مما أصابوا وأحرزوا في القسمة، ﴿وللنساء نصيب مما اكتسبن﴾ منه، قلَّ أو كثر، فلتقنع بما قسم الله لها، ولا تعترض على أحكام الشريعة، ولكن ﴿اسألوا الله من فضله﴾ يُعطكم من غير الميراث، هكذا فسرها ابن عباس.
٣٨
وقال مجاهد : قالت أُم سلمة : يغزو الرجال ولا نغزو، فليتنا رجال نغزو، ونبلغ ما يبلغ الرجال. فنزلت. فيكون المعنى : ولا تتمنوا ما فضل اللهُ به الرجال على النساء كالغزو وغيره، فللرجال نصيب مما اكتسبوا من ثواب الجهاد وسائر أعمالهم، ﴿وللنساء نصيب مما اكتسبن﴾ من طاعة أزواجهن وحفظ فروجهم وسائر بقية أعمالهن.
والتحقيق أنها عامة في جميع المراتب الدينية والدنيويه لأن ذلك ذريعة إلى التحاسد والتعادي، ومعربة عن عدم الرضا بما قسم الله له، وإلى التشهي لحصول الشيء له من غير طلب، وهو مذموم ؛ لأن تمنّي ما لم يقدر له، معارضة لحِكمة القدر، وتمنّي ما قدر له بكسب، بطالة وتضييع حظ، وتمنّي ما قدر له بغير كسب، ضياع ومحال، قاله البيضاوي. فللرجال نصيب من أجل ما اكتسبوا من الأعمال، وتحملوا من المشاق، فيعطيهم الله على قدر ما اكتسبوا ﴿وللنساء نصيب مما اكتسبن﴾ كذلك، فلا فائدة في تمني ما للناس، ولكن ﴿اسألوا الله من فضله﴾ يُعطكم مثله، أو أكثر من خزائنه التي لا تنفذ. ﴿إن الله كان بكل شيءٍ عليمًا﴾ وهو يعلم ما يستحقه كل إنسان، فيُفَضِّل من شاء بما شاء عن علم وبيان، ومناسبة الآية حينئِذ لما قبلها : أن تجنب الكبائر فضل من الله ونعمة، وهو أفضل ممن يقع فيها، لكن لا ينبغي تمني ذلك من غير عمل، ولكن يسأل الله من فضله حتى يُلحقه بأهل العصمة. وبالله التوفيق.