يقول الحقّ جلّ جلاله : في بقية أوصاف نبينا ـ عليه الصلاة والسلام ـ :﴿يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويُحِلُّ لهم الطيبات﴾ مما حرم على اليهود ؛ كالشحوم وغيرها، ﴿ويُحرَّم عليهم الخبائث﴾ كالدم والحم الخنزير وسائر الخبائث، أو كالربا والرشوة وغيرهما من المحرمات. قال ابن جزي : مذهب مالك أن الطيبات هي الحلال، وأن الخبائث هي الحرام. ومذهب الشافعي : أن الطيبات هي المستلذات، إلا ما حرمه الشرع منها، كالخمر والخنزير، وأن الخبائث هي المستقذرات كالخنافس والعقارب. هـ.
﴿ويضعُ عنهم إصرَهم﴾ أي : الثقل الذي عليهم، وهو مثال لما كُلفوا به ـ أي : بنو إسرائيل ـ في شرعهم من المشقات ؛ كقتل الأنفس في التوبة، وقطع موضع النجاسة من الثوب، وتعيين القصاص في العمد والخطأ. ﴿والأغلآل التي كانت عليهم﴾ ؛ عبارة عما منعت منه شريعتهم، كتحريم الشحوم، وتحريم العمل يوم السبت وشبه ذلك. ﴿فالذين
٤٠٢
آمنوا به وعزّرُوه﴾ أي : منعوه وحفظوه من عدوه، حتى لا يقوى عليه، أو عظموه بالتقوية حتى انتصر، وأصله : المنع، ومنه التعزير، ﴿ونصروه﴾ حتى أظهروا دينه في حياته وبعد مماته، ﴿واتبعوا النورَ الذي أُنزل معه﴾ وهو القرآن، وإنما سماه نورًا ؛ لأنه بإعجازه ظاهر أمره ومظهر غيره، أو لأنه كاشف للحقائق مظهر لها. ﴿أولئك هم المفلحون﴾ الفائزون بالرحمة الأبدية، وهذا آخر جواب سيدنا موسى عليه السلام.
الإشارة : قوله تعالى ﴿ورحمتي وسعت كل شيء﴾، قال القشيري : لم يُعَلَّقها بالمشيئة ـ يعني : كما قال في العذاب ـ لأنها نفس المشيئة، ولأنها قديمة، والإرادة لا تتعلق بالقديم، فلمَّا كان العذاب من صفات الفعل علَّقه بالمشيئة، بعكس الرحمة لأنها من صفات الذات. ويقال في قوله تعالى :﴿وسعت كل شيء﴾ : مجالٌ لآمال العُصَاة ؛ لأنهم، وإن لم يكونوا من جملة المطيعين العابدين والعارفين، فيهم " شيء ". هـ.