وقال الورتجبي : جميع الخلائق مستغرقون في بحر الرحمة، لأن إيجاد الحق إياهم، على أي : وصف كانوا، عين رحمته، حيث دخلوا تحت نظره وسلطانه وربوبيته، ومباشرة قدرته فيهم، ثم إن الخلق بالتفاوت في الرحمة فالجمادات مستغرقة في نور فعله، وهي الرحمة الفعلية، والحيوانات مستغرفة في نور صفاته، وهي الرحمة الصفاتية، والعقلاء من الجن والإنس والملائكة مستغرقون في نور ذاته، وهي الرحمة القديمة الذاتية من جهة تعريفهم ربوبيته ووحدانيته، وهم من جهة الأجسام وما يجري عليها، في الرحمة العامة، ومن جهة الأرواح وما يجري عليها، في الرحمة الخاصة، وهم فيها بالتفاوت، فبعضهم في رؤية العظمة ذابوا، وبعضهم في رؤية القدم والبقاء تاهوا، وبعضهم في رؤية الجلال والجمال عشقوا وطاشوا، ومن خرج من مقام الرحمة إلى أصل الصفة، ومن الصفة إلى أصل الذات استغرق في الراحم، وفنى عن الرحمة، فصار رحمة للعالمين، وهذا وصف نبينا ـ عليه الصلاة والسلام ـ، لأنه وصل بالكل إلى الكل، فوصفه برحمة الكل بقوله :﴿وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إَلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبيَاء : ١٠٧]، ثم خص رحمته الخاصة الصفاتية، بعد أن عم الكل برحمته العامة للمنفردين بالله عن غير الله، القانتين بعظمته في عظمة الذين بذلوا وجوههم لحق ربوبيته عليهم بقوله :﴿فسأكتبها للذين يتقون...﴾. هـ.
٤٠٣
قال في الحاشية : واعتبر قوله :﴿فسأكتبها﴾، فإنه يقتضي كون الرحمة السابقة مطلقة، والتغيير طارىء، والطارىء لا ينافي الذات. هـ.