يقول الحقّ جلّ جلاله : ولكل ميت جعلنا وَرَثَة يرثون ﴿مما ترك﴾ ذلك الميت، وهم ﴿الوالدان والأقربون﴾، أو لكل تركة جعلنا لها ﴿موالي﴾ أي : ورثة يرثون مما ترك الوالدان والأقربون، ﴿والذين عقدت أيمانكم﴾ وهم موالي الحِلف، كانوا يتحالفون في الجاهلية على النصرة والمؤازرة، يقول الرجل لآخر : دمي دمك، وهدمي هدمك، وثأري ثأرك. فيضرب بعضهم على يد الآخر في عقد ذلك الحلف. فلذلك قال :﴿عقدت أيمانكم﴾ فكان في أول الإسلام يرث من حليفه السدس، وإليه أشار بقوله :﴿فآتوهم نصيبهم﴾، ثم نسخ.
وقيل : نزلت في المؤاخاة التي آخى رسول الله ﷺ بين المهاجرين والأنصار، فكان يرث السدس، ثم نُسخ بقوله ﴿وَأْوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾ [الأنفال : ٧٥]. وعن أبي حنيفة : لو أسلم رجل على يد رجل وتعاقدا على أن يتعاقلا ويتوارثا صح وورث. وقال ابن عباس : آتوهم نصيبهم من النصرة التي تعاقدوا عليه، فيُوفي لهم بها، فلا نسخ.
﴿إن الله كان على كل شيء شهيدًا﴾، هو تهديد لم تعدى الحدود، ونقض العهود. والله تعالى أعلم.
الإشارة : ولكل زمان جعلنا أولياء كبراء، يرثون مما ترك أشياخهم من خصوصية الولاية وسر العناية، إلى يوم القيامة ؛ فالأرض لا تخلو ممن يقوم بالحجة ويظهر المحجة، فيقال لهم : والذين عقدت أيمانكم في الصحبة معكم، فظهر صدقهم، وبانت خدمتهم، فآتوهم نصيبهم مما خصكم الله به من سر الولاية ولطف العناية، ﴿إن الله كان على كل شيء شهيدًا﴾، لا يخفى عليه من يستحق الخلافة ويرث سرَ الولاية. والله تعالى أعلم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٩
٤٠


الصفحة التالية
Icon