أي : إن لم تقدر على الطهارة الأصلية ؛ وهي الغيبة عن الأحداث الكونية، فاقصد العبادة الحسية، وقَّدم الشريعة أو من قام بها من أهل التربية النبوية أمامك، بعد أن كان يطلبك من قبل أن تعرفه، وأجمع ظُهر الشريعة لعصر الحقيقة، فهذه صلاة العارفين، فإن كنت منهم فانضح بَرَّ ظاهرك بحقيقة باطنك، فما كمن في غيب السرائر ظهر في شهادة الظواهر. لهذا أشار تعالى بقوله :﴿وإن كنتم مرضى﴾ بحب الهوى، ﴿أو على سفر﴾ في عجلة شغل الدنيا، أو جاء أحد منكم من غائط الحس، أو لامستم العلوم الرسمية، وانطبع صُورُ خيالها في قلوبكم، ولم تجدوا من يسقيكم ماء الغيب، وهي الخمرة الآزلية، فاقصدوا الأعمال الحسية، فلعلها توصلكم إلى الأعمال الباطنية، ﴿إن الله كان عفوًا غفورًا﴾، وفي الحِكَم :" كيف يشرق قلبٌ صورُ الأكوان منطبعة في مرآته ؟ أم كيف
٥٠
يرحل إلى الله وهو مكبل بشهواته، أم كيف يطمع أن يدخل حضرة الله وهو لم يتطهر من جنابة غفلاته ؟ أم كيف يرجو أن يفهم دقائق الأسرار وهو لم يتب من هفواته ؟ ".
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٨
قلت : دخلت الباء على الفاعل في ﴿كفى بالله﴾، لتضمنه معنى أكتف بالله وكيلاً.
يقول الحقّ جلّ جلاله ﴿ألم تر﴾ يا محمد، أو يا من يسمع، ببصرك أو بقلبك ﴿إلى﴾ حال ﴿الذين أوتوا نصيبًا﴾ يسيرًا ﴿من﴾ علم ﴿الكتاب﴾ أي : التوراة، وهم أحبار اليهود، ﴿يشترون الظلال﴾ بالهدى، أي : يستبدلونها بها بعد تمكنهم منها عادة، ﴿ويُريدون أن تضلوا السبيل﴾ أي : الطريق الموصلة إلى الحق، أي : يتمنون انحرافكم عنها، فإذا سمعوا عنكم ما يحرفكم عنه فرحوا واستبشروا، لأنهم انحرفوا عنها فحرفوا كتابهم وبدلوا، فتمنوا أن تكونوا مثلهم، فاحذروا ما يتوقع منكم أعداؤكم، فإن الله أعلم بهم منكم، فسيكفيكم الله أمرهم، فثقوا به وتوكلوا عليه، فكفى بالله وليًا وكفى بالله نصيرًا، فسيتولى أمركم وينصركم على من عاداكم. وبالله التوفيق.