الإشارة : من شأن أهل الإنكار، ولا سيما من سلف له في أسلافه رياسة أو إظهار، إذا سمعوا بأهل النسبة وقع لهم شيء من الأكدار، فرحوا واستبشروا، وودوا لو حادوا كلهم عن سبيل الحق، والله مطلع على أسرارهم، وكاف بأسهم وشرهم، ﴿وكفى بالله وليًا﴾ لأوليائه ونصيرًا لأحبابه، والله تعالى أعلم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٥٠
قلت :﴿من الذين هادوا﴾ : خبر عن محذوف، أي : منهم قوم يحرفون، أو بيان للذين قبله، أو متعلق بأعدائكم.
يقول الحقّ جلّ جلاله : من اليهود قوم تمردوا في الكفر ؛ وهم أحبارهم، ﴿يُحرّفون الكلم﴾ وهو التوراة ﴿عن مواضعه﴾ أي : يميلونه عن مواضعه التي وضعه الله
٥١
فيها، بإزالة لفظه أو تأويله. وقال ابن عباس :(لا يقدر أحد أن يُحرّف كلام الله ولكن يفسرونه على غير وجهه)، ﴿ويقولون﴾ لمن دعاهم إليه، وهو الرسول ﷺ :﴿سمعنا﴾ قولك، ﴿وعصينا﴾ أمرك، ﴿واسمع﴾ منا ﴿غير مسمع﴾ قولك، أي : لا نلتفت إليه، أو دعاء بالصمم : أي : لا سمعت، أو غير مسمع منا مكروهًا، نفاقًا، ويقولون له مكان انظرنا :﴿راعنا﴾ قاصدين بذلك الشتم والسخرية، من الرعونة، وقد كان الصحابة يخاطبون به الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ ومعناه : انظرنا. أو راعنا بقلبك، فوجد اليهود بها سبيلاً إلى الشتم، فنهاهم الله عن ذلك، وبقيت اليهود تقولها شتماً واستهزاءً ﴿ليًّا بألسنتهم﴾، أي : فَتلاً لها عن معناها، من الانتظار إلى ما قصدوا من رَميِه بالرُّعُونة، ﴿وطعنًا في الدين﴾ أي : استهزاء به، ﴿ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا﴾ مكان سمعنا وعصينا، ﴿واسمع﴾ منا فقط، مكان : واسمع غير مسمع، ﴿وانظرنا﴾ مكان راعنا، ﴿لَكَانَ﴾ قولهم ذلك ﴿خيرًا لهم وأقوم﴾ وأعدل، ﴿ولكن لعنهم الله﴾ أي : طردهم وأبعدهم بسبب كفرهم، ﴿فلا يؤمنون إلا﴾ إيمانًا ﴿قليلاً﴾ لا يعبأ به وهو الإيمان بالبعض والكفر بالبعض من الآيات والرسل. والله تعالى أعلم.


الصفحة التالية
Icon