يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿إن الله لا يغفر أن يشرك به﴾ لأنه بتَّ الحكم على خلود عذابه، لأن الله تعالى غيور لا أحد أغير منه. كما في الحديث، ومن عادة الملوك إذا خرج أحدٌ من رعيته ونصر غيره لا يقبل منه إلا الرجوع أو الموت. ولا شفاعة تنفع في غير الرجوع عنه. ﴿ويغفر ما دون ذلك﴾ الشرك ﴿لمن يشاء﴾ من الكبائر والصغائر. تاب أم لا. فالعصاة أذا لم يتوبوا في مشيئة الله، ﴿ومن يُشرك بالله فقد افترى إثمًا عظيمًا﴾ ؛ ارتكب ما تستحقر دونه الآثام. وهو إشارة إلى المعنى الفارق بينه وبين سائر الذنوب، والله تعالى أعلم.
الإشارة : ولما رأت الصوفية أن الشرك لا يُغفر، ولا يُسمح في شيء منه، جليًا أو خفيًا، حققوا إخلاصهم، ودققوا معاملتهم مع ربهم، وفتشوا على قلوبهم، هل بقي فيها
٥٣
شيء من محبة غير مولاهم، أو خوفٌ من شيء دونه، وطهروا توحيدهم من نسبة التأثير لشيء من الكائنات، فتوجهوا إلى الله في إزالة ذلك عنهم.
قال بعضهم : شربتُ لبنًا فأصابني انتفاخ، فقلت ضرني ذلك اللبن، فلما كنت ذات يوم أتلو، هذه الآية قلت : يا رب ؛ أنا لا أشرك بك شيئًا، فقال لي هاتفٌ : ولا يوم اللبن، فبادرت إلى التوبة. اهـ. بالمعنى. والله تعالى أعلم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٥٣
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ألم تر﴾ يا محمد ﴿إلى الذين يزكون أنفسهم﴾، وهم اليهود، قالوا : نَحنُ أبنَاءُ اللهِ وَأحبَّاؤُه، وقيل : طائفة منهم، أتَوا بأطفَالِهِم إلىَ رسول اللهِ ﷺ فقالوا : هَل عَلَى هؤُلآءِ ذَنبٌ، قال :" لآ ". قَالوُا : واللهِ مَا نَحنُ إلا كَهَيئَتِهِم، مَا عَمِلنَا بالنّهَارِ يُكَفَّر عَنَّا باللَّيلِ، وما عملنا باللَّيلِ يُكَفَّر عَنَّا بالنّهَارِ، فنزلت فيهم الآية. وفي معناهم : من زكى نفسه وأثنى عليها قبل معرفتها.


الصفحة التالية
Icon