يقول الحقّ جلّ جلاله : مُنكِرًا على اليهود : أيحصل لهم ﴿نصيب من المُلك﴾ والرياسة ؟ هيهات، لا يكون هذا أبدًا، فكيف يكون لهم الملك وهم أبخل الناس ؟. فإذا أُوتوا شيئًا من الملك لا يُعطون الناس نقيرًا، فما بالك بأكثر، والملك والنصر ولا يكونان إلا لأجل الكرم والجود والشجاعة، وإصابة الرأي وحسن التدبير، وهم بعداء من هذه المكارم.
الإشارة : لا يُمكن اللهُ من العز والنصر والتصرف الظاهر أو الباطن إلا أهل السخاء والجود، فمن جاد بمالِهِ حتى لا يبالي كم أعطى ولا لمن أعطى، مكّنه الله من العز والتصرف الحسي، ومن جاد بنفسه وجاهه، وبذلهما في مرضاة ربه، مكّنه الله من العز والنصر والتصرف المعنوي ؛ يتصرف بهمته في الوجود بأسره، من عرشه إلى فرشه، ويدوم عزه ونصره أبد الأبد. والله تعالى أعلم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٥٥
٥٦
قلت :﴿أم﴾ بمعنى بل، و ﴿سعيرًا﴾ تمييز.
يقول الحقّ جلّ جلاله : توبيخًا لليهود على الحسد :﴿أم يحسدون الناس﴾، أي : العرب حيث انتقلت النبوة إليهم، وقد كانت في أسلافهم، ﴿على ما آتاهم الله من فضله﴾، وهو ظهور النبوة فيهم، أو رسول الله ﷺ ؛ لأنه اجتمع فيه ما افترق في سائر الناس، حسدوه على ما آتاه الله من فضله، من النبوة وغيرها، وقالوا ـ لعنهم الله ـ : ما له همٌّ إلا النساء ولو كان نبيًا لشغله أمر النبوة عن النساء.
فكَّذبهم الله ـ تعالى ـ وردَّ عليهم بقوله :﴿فقد آتينا آل إبراهيم﴾ وهم : يوسف وداود وسليمان، ﴿الكتاب والحكمة﴾ أي : النبوّة، ﴿وآتيناهم مُلكّاً عظيمًا﴾. فقد اجتمع لداود عليه السلام مائة امرأة. ولسليمان ـ عليه السلام ـ ألف امرأة : ثلاثمائة مهيرة، ـ أي بالمهرـ وسبعمائة سرية، فقال لهم ـ عليه الصلاة والسلام ـ حين نزلت الآية : ألف امرأة عن رجل، ومائة امرأة عند آخر، أكثر من تسع نسوة، فسكتوا.


الصفحة التالية
Icon