﴿فمنهم﴾ أي : اليهود، ﴿من آمن به﴾ أي : بمحمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ كعبد الله بن سلام وأصحابة، ﴿ومنهم من صدّ عنه﴾ أي : أعرض عنه، أو : من آل إبراهيم من آمن بإبراهيم، ﴿ومنهم من صدّ عنه﴾، ولم يكن في ذلك توهين لقدر إبراهيم، فكذلك لا يُوهن كفرُ هؤلاء أمرَك، أو : من أسلافهم من آمن بما أُوتي آل إبراهيم من الكتاب والحكمة والمُلك، ﴿ومنهم مَن صدّ عنه﴾، كما فعلوا مع سليمان وغيره. ﴿وكفى بجهنم سعيرًا﴾ لمن كفر بما جاء به أحد من الرسل، أي : فإن لم يُعاجَلوا بالعقوبة فقد كفاهم ما أعد لهم من سعير جهنم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٥٦
ثم بيَّن مآل من كفر، فقال :﴿إن الذين كفروا بآياتنا﴾ المنزلة على رسلنا، أو الدالة على وحدانيتنا، ﴿سوف نصليهم نارًا﴾ أي : نحرقهم بها ونشويهم، ﴿كلما نضجت جلودهم﴾ أي : لانت واحترقت ﴿بدّلناهم جلودًا غيرها﴾، قال ﷺ :" تُبدَّلُ في ساعةٍ مائةَ مَرَّة " وقال الحسن :( تأكلهم النارُ في كل يوم سبعين ألف مرة، كلما أكلتهم وأنضجتهم قيل لهم : عودوا فيعودوان كما كانوا). وقال مجاهد :( ما بين جلده ولحمه دود، لها جلبة ـ أي حركة ـ وهرير كجلبة حمر الوحش). رَوى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال :" غلظٌ جِلدِ الكَافِرِ اثنَانٍ وأربعَونَ ذرَاعًا، وضِرسه مِثلُ أحُد ". وإنما بدلت جلودهم ﴿ليذوقوا﴾ ألم ﴿العذاب﴾، أي : يدوم لهم ذلك بخلق جلد آخر مكانه، والعذاب في الحقيقة للنفس العاصية لا لآلة إدراكها، فلا محذور، ﴿إن الله كان عزيزًا﴾ لا يمتنع عليه ما يريد، ﴿حكيمًا﴾ يعاقب على قدر حكمته.
٥٧


الصفحة التالية
Icon