يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿إن الله يأمركم﴾، يا معشر الأمراء، أن تردوا ﴿الأمانات إلى أهلها﴾ من أنفسكم، أو من رعيتكم فتُنصفوا المظلوم من الظالم، حتى يؤدي ما ائتُمن عليه من دَينٍ، أو وديعة، أو غصب، أو سرقة، أو غير ذلك من حقوق العباد، بعضهم من بعض، وأن تؤدوا الزكاة إلى من يستحقها، وتصرفوا بيت المال فيمن يستحقه، لا تظلموا أهلها، ولا تضيعوا منها شيئاً في غير مستحقها.
﴿و﴾ يأمركم ﴿إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل﴾ في من يَنفُذُ عليه حكمُكُم، ﴿إن الله نعمًا يعظكم به﴾ أي : إن الله يعظكم بأمر نعم ما هو، ﴿إن الله كان سميعًا بصيرًا﴾ لا يخفى عليه أحكامكم، ولا ما أخفيتم من أمانات غيركم.
الإشارة : أمر الحقّ ـ جلّ جلاله ـ شيوخ التربية أن يؤدوا السر إلى من يستحقه من الفقراء، إذا تحققوا أهليتهم له، بحيث تخلوا عن الرذائل، كالحسد والكبر وغيرهما، وتحلوا بالفضائل، كسلامة الصدر وسخاوة النفوس وحسن الخلق، وغير ذلك من أوصاف الكمال، فإن تحققوا بالتخلية والتحلية، استحقوا الاطلاع على أسرار الربوبية، التي هي أمانات عند أهل الخصوصية، وأمرهم أن يحكموا بين الفقراء بالعدل، فيمدوا كلاً على قدر صِدقِه وخِدمَتِه، والله تعالى أعلم.
٥٩
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٥٩
أعاد العامل في قوله :﴿وأطيعوا الرسول﴾، إشارة إلى استقلال الرسول بالطاعة، ولم يُعده في ﴿أولى الأمر﴾ إشارة إلى أنه يوجد منهم من لا تجب طاعته، ثم بيّنه بقوله :﴿فإن تنازعتم في شيء﴾ كأنه قيل : فإن لم يعملوا بالحق فلا تطيعوهم، وردوا ما تخالفتم فيه إلى حكم الله ورسوله. قال الطيبي، وسيأتي تحريرُ ذلك إن شاء الله تعالى.